تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ} (43)

33

43- { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } .

أي : خلق سبب الضحك والبكاء ، وهما مختلفان ، فهو سبحانه أضحك بعض عباده بما يبعث على فرحهم وسرورهم ، وأبكى بعض عباده مما يبعث على حزنهم وبكائهم .

أو المعنى :

إنه سبحانه أضحك وأبكى من الأمر الواحد ، صاحبه نفسه يضحك اليوم من الأمر ، ثم تواجهه عاقبته غدا أو جرائره فإذا هو باك ، يتمنى أن لم يكن فعل ، وأن لم يكن ضحك ، وكم من ضاحك في الدنيا باك في الآخرة ، حيث لا ينفع البكاء ، وكم من فقير أعطاه الله الفرح والسرور والغبطة والحبور ، وكم من غني مُني بالخوف والحسرة ، والتردد والأحزان والبكاء ، فالسعادة والشقاء ، أو الضحك والبكاء ، وغيرها من المشاعر ، منح موزعة لا تخضع لمقاييس البشر ، فكم من عاقل رزقه قليل ، وكم من جاهل رزقه كثير ، كما يقول الشاعر :

ومن الدليل على القضاء وحكمه *** بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ} (43)

قوله تعالى : " وأنه هو أضحك وأبكى " ذهبت الوسائط وبقيت الحقائق لله سبحانه وتعال فلا فاعل إلا هو ، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : لا والله ما قال رسول الله قط إن الميت يعذب ببكاء أحد ، ولكنه قال : ( إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو أضحك وأبكى وما تزر وازرة وزر أخرى ) . وعنها قالت : مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من أصحابه وهم يضحكون ، فقال : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ) فنزل عليه جبريل فقال : يا محمد ! إن الله يقول لك : " وأنه هو أضحك وأبكى " . فرجع إليهم فقال : ( ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال ايت هؤلاء فقل لهم : إن الله تعالى يقول : " هو أضحك وأبكى " أي قضى أسباب الضحك والبكاء . وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني أفرح وأحزن ؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء . وقيل لعمر : هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال : نعم ! والإيمان والله أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي . وقد تقدم هذا المعنى في ، " النمل{[14430]} " و " التوبة{[14431]} " . قال الحسن : أضحك الله أهل الجنة في الجنة ، وأبكى أهل النار في النار . وقيل : أضحك من شاء في الدنيا بأن سره وأبكى من شاء بأن غمه . الضحاك : أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر . وقيل : أضحك الأشجار بالنوار ، وأبكى السحاب بالأمطار . وقال ذو النون : أضحك قلوب المؤمنين والعارفين بشمس معرفته ، وأبكى قلوب الكافرين والعاصين بظلمة نكرته ومعصيته . وقال سهل بن عبد الله : أضحك الله المطيعين بالرحمة وأبكى العاصين بالسخط . وقال محمد بن علي الترمذي : أضحك المؤمن في الآخرة وأبكاه في الدنيا . وقال بسام بن عبدالله : أضحك الله أسنانهم وأبكى قلوبهم . وأنشد :

السنُّ تضحك والأحشاءُ تحترقُ *** وإنما ضِحْكُها زورٌ ومختلَقُ

يارُبَّ باكٍ بعينٍ لا دموعَ لهَا *** ورُبَّ ضاحكِ سِنٍّ ما به رَمَقُ

وقيل : إن الله تعالى خص الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان ، وليس في سائر الحيوان من يضحك ويبكي غير الإنسان . وقد قيل : إن القرد وحده يضحك ولا يبكي ، وإن الإبل وحدها تبكي ولا تضحك . وقال يوسف بن الحسين : سئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة ؟ فقال : ما ضحكوا ولا كل من دون العرش منذ خلقت جهنم .


[14430]:راجع جـ 13 ص 175.
[14431]:راجع جـ 8 ص 217.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ} (43)

{ وأنه هو أضحك وأبكى } قيل : معناه أضحك أهل الجنة ، وأبكى أهل النار ، وهذا تخصيص لا دليل عليه وقيل : أبكى السماء بالمطر وأضحك الأرض بالنبات ، وهذا مجاز وقيل : خلق في بني آدم الضحك والبكاء والصحيح أنه عبارة عن الفرح والحزن لأن الضحك دليل على السرور والفرح كما أن البكاء دليل على الحزن فالمعنى : أن الله تعالى أحزن من شاء من عباده ، وأسر من شاء .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَضۡحَكَ وَأَبۡكَىٰ} (43)

قوله : { وأنه هو أضحك وأبكى } هذه خصّيصة لا تتجلى في غير الإنسان من الخلائق . ومزيّة الضحك والبكاء اللتين انفرد بهما الإنسان لا جرم أنهما من تقدير الله ومشيئته ، إذ ذرأ في ابن آدم مركبات الضحك والبكاء العضوية والنفسية والفطرية ، تلك المركبات التي تهيجها أسباب الضحك والبكاء الخارجية ، كالأفراح والأتراح ، والمباهج والأحزان ، والتغيظ والسرور ، والاغتمام والحبور . وتلكم خصائص وأسباب ومركبات لم تكن في غير الإنسان من أصناف الخلق وهذه ظاهرة من ظواهر كثيرة عجاب تزجي بالدليل على عظمة الخالق الصانع الحكيم .