{ قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السموات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون } .
أي قل لهم يا محمد كفى بالله عالما وحكما عادلا وشهيدا حاضرا ، يشهد لي بتبليغ الرسالة إليكم ويشهد عليكم بالتكذيب والعناد ، وهو سبحانه مطلع وعالم بما في السموات من أفلاك وأملاك وبما في الأرض من مخلوقات وبالتالي يعلم رسالتي إليكم وتكذيبكم لي ولو كنت كاذبا لأهلكني ، كما قال سبحانه وتعالى : { ولو تقول علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين* ثم لقطعنا منه الوتين* فما منكم من أحد عنه حاجزين } ( الحاقة : 44-47 ) .
{ والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون } .
أي والذين صدقوا بالأوثان والأصنام ونحوها ، وجحدوا الإيمان بالله ورسوله ، { أولئك هم الخاسرون } . حيث باعوا آخرتهم وآثروا دنياهم ، واشتروا الكفر بالإيمان ، واتبعوا الباطل والطواغيت والكفر بلا دليل فكانوا هم الخاسرين خسارة كبرى حيث حرموا الجنة ونعيمها واستحقوا النار وعذابها .
{ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا } فأنا قد استشهدته ، فإن كنت كاذبا ، أَحَلَّ بي ما به تعتبرون ، وإن كان إنما يؤيدني وينصرني وييسر لي الأمور ، فلتكفكم هذه الشهادة الجليلة من اللّه ، فإن وقع في قلوبكم أن شهادته -وأنتم لم تسمعوه ولم تروه- لا تكفي دليلا ، فإنه { يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }
ومن جملة معلوماته حالي وحالكم ، ومقالي لكم{[633]} فلو كنت متقولا عليه ، مع علمه بذلك ، وقدرته على عقوبتي ، لكان [ قدحا في علمه وقدرته وحكمته ] كما قال تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ }
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } حيث هم خسروا الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وحيث فاتهم النعيم المقيم ، وحيث حصل لهم في مقابلة الحق الصحيح كل باطل قبيح ، وفي مقابلة النعيم كل عذاب أليم ، فخسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة .
قوله تعالى : " قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا " أي قل للمكذبين لك كفي بالله شهيدا يشهد لي بالصدق فيما أدعيه من أنى رسوله ، وأن هذا القرآن كتابه . " يعلم ما في السماوات والأرض " أي لا يخفي عليه شيء وهذا احتجاج عليهم في صحه شهادته عليهم ؛ لأنهم قد أقروا بعلمه فلزمهم أن يقروا بشهادته . " والذين آمنوا بالباطل " قال يحيى بن سلام : بإبليس وقيل : بعبادة الأوثان والأصنام ؛ قاله ابن شجرة . " وكفروا بالله " أي لتكذيبهم برسله وجحدهم لكتابه وقيل : بما أشركوا به من الأوثان وأضافوا إليه من الأولاد والأضداد . " أولئك هم الخاسرون " أنفسهم وأعمالهم في الآخرة .
ولما كان من المعلوم أنهم يقولون : نحن لا نصدق أن هذا الكتاب من عند الله فضلاً عن أن نكتفي به ، قال : { قل } أي جواباً لما قد يقولونه من نحو هذا : { كفى بالله } أي الحائز لجميع العظمة وسائر الكمالات ، الذي شهد لي بالرسالة في كتابة الذي أثبت أنه كلامه عجز الخلق عن معارضته .
ولما كانت العناية في هذه السورة بذكر الناس ، وتفصيل أحوالهم ، ابتدأ بقوله : { بيني وبينكم } قبل قوله : { شهيداً } بخلاف الرعد والأنعام ، ثم وصف الشهيد أو علل كفايته بقوله : { يعلم ما في السماوات } أي كلها . ولما لم يكن للارض غير هذه التي يشاهدونها ذكر في إتيان الوحي والقرآن منها ، أفرد فقال : { والأرض } أي لا يخفى عليه شيء من ذلك فهو عليم بما ينسبونه إليّ من التقول عليه وبما أنسبه أنا إليه من هذا القرآن الذي شهد لي به عجزكم عنه فهو شاهد لي ، والله في الحقيقة هو الشاهد لي ، بما فيه من الثناء عليّ ، والشهادة لي بالصدق ، لأنه قد ثبت بالعجز عنه أنه كلامه وسيتحقق بالعقل إبطال المبطل منا .
ولما كان التقدير : وأنتم تعلمون أنه قد شهد لي بأني على الحق ، وأن كل ما خالف ما جئت به فهو باطل ، فالذين آمنوا بالحق وكفروا بالباطل فأولئك هم الفائزون ، عطف عليه قوله : { والذين آمنوا بالباطل } أي الذي لا يجوز الإيمان به من كل معبود سوى الله { وكفروا بالله } الذي يجب الإيمان به والشكر له ، لأنه له الكمال كله وكل ما سواه هالك ليس له من ذاته إلا العدم { أولئك } البعداء البغضاء { هم } أي خاصة { الخاسرون* } أي العريقون في الخسارة ، فإنهم خسروا أنفسهم أبداً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.