تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ} (2)

المفردات :

وضعنا عنك : خفّفنا عنك ، وسهّلنا عليك .

وزرك : حملك الثقيل ، وهو عبء الرسالة والنبوة .

الذي أنقض ظهرك : أثقله حتى سمع له نقيض ( صوت ) والكلام على التمثيل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل هما معنويا ، فشبه ذلك بمن يحمل حملا ثقيلا فوق ظهره ، ثم خفف الله عليه أعباء النبوة والرسالة التي تثقل الظهر ، من القيام بأمرها ، وأداء واجباتها ، وحطّ الله عنه ثقلها بأن صارت يسيرة له .

2 ، 3- ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك .

قيل : إن معنى الآية : غفرنا لك ذنبك الذي أثقل ظهرك ، أي آلمك وجعلك تنوء بحمله ، وتؤنّب نفسك على ارتكابه ، وليس المراد بالذنب الكبائر ، فقد عصم الله الأنبياء من ارتكاب شيء منهيّ عنه ، ولكن المراد منه ارتكاب خلاف الأولى ، مثل أن عبس في وجه عبد الله بن أمّ مكتوم ، حين جاء يلحّ في السؤال وطلب العلم ، وكان صلى الله عليه وسلم مشتغلا بعرض الإسلام على مجموعة أو أفراد من كبار المشركين ، طامعا في إسلامهم .

ومثل أنه أذن لبعض المنافقين بالتخلّف عن الجهاد في غزوة تبوك حين استأذنوه في التخلف .

ومثل أنه قبل الفداء من كفار مكة في أسرى بدر ، وقد كان عن اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ، ولكن الوحي نزل يبين أن ذلك خطأ أو مرجوح لا راجح ، وأن الأولى به صلى الله عليه وسلم أن يختار الوجهة الأخرى التي شرحها القرآن .

والنبي صلى الله عليه وسلم من حقه أن يجتهد ، لأن الله تعالى أعطانا جميعا العقل ، وكلّفنا بالاجتهاد ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرّ على خطأ ، أو لا يقر على خلاف الأولى ، وقد ذكر القرآن أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .

قال تعالى : إنّا فتحنا لك فتحا مبينا* ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما* وينصرك الله نصرا عزيزا . ( الفتح : 1-3 ) .

قال في التسهيل لعلوم التنزيل : إنما وصفت ذنوب الأنبياء بالثّقل ، وهي صغائر مغفورة لهم ، لهمّهم بها ، وتحسّرهم عليها ، فهي ثقيلة عندهم لشدة خوفهم من الله ، وهذا كما ورد في الأثر : ( إن المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يقع عليه ، والمنافق يرى ذنوبه كالذبابة تطير فوق أنفه )iii .

وذهب كثير من المفسرينiv إلى أن معنى قوله تعالى : ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك . أي : يسّرنا عليك أعباء النبوة والرسالة ، وبيّنّا لك طريق تبليغ الدعوة ، ويسّرنا عليك تحمل الأعباء في دعوة قوم يصرّون على عبادة الأوثان والأصنام ، ويتهمونك بأنك شاعر أو كاهن أو مجنون ، ذلك أن المقام مقام تعديد النعم التي أنعم الله تعالى بها على رسوله صلى الله عليه وسلم .

وكان صلى الله عليه وسلم قد مكث في مكة فترة مؤلمة في بداية الدعوة ، تعرض فيها هو وأصحابه للأذى الحسي والمعنوي ، ووقفت قريش حجر عثرة في طريق الدعوة ، بيد أن الله أمدّ رسوله بالعزيمة والهمة والقوة والصبر ، فكان آية في هذا المجال .

وحين عرض عليه أهل مكة عروضا منها المال أو الجاه أو الرئاسة أو العلاج من أثر الجن ، ووسّطوا عمه أبا طالب ليعرض عليه ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم : ( والله يا عمّ ، لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتى يظهره الله أو تنفرد مني هذه السالفة ) .

قال الأستاذ أحمد المراغي في تفسيره :

ووضعنا عنك وزرك* الذي أنقض ظهرك .

أي : حططنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الرسالة حتى تبلّغها ، فجعلنا التبليغ عليك سهلا ، ونفسك به مطمئنة راضية ، ولو قوبلت بالإساءة ممن أرسلت إليهم . v .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ} (2)

{ ووضعنا } حططنا { عنك وزرك } ما سلف منك في الجاهلية . وقيل : يعني الخطأ والسهو . وقيل : معناه خففنا عليك أعباء النبوة . والوزر في اللغة الحمل الثقيل .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ} (2)

قوله تعالى : " ووضعنا عنك وزرك " أي حططنا عنك ذنبك . وقرأ أنس " وحللنا ، وحططنا " . وقرأ ابن مسعود : " وحللنا عنك وقرك " . هذه الآية مثل قوله تعالى : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر{[16169]} " [ الفتح : 2 ] . قيل : الجميع كان قبل النبوة . والوزر : الذنب ، أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية ؛ لأنه كان صلى اللّه عليه وسلم في كثير من مذاهب قومه ، وإن لم يكن عبد صنما ولا وثنا . قال قتادة والحسن والضحاك : كانت للنبي صلى اللّه عليه وسلم ذنوب أثقلته ، فغفرها اللّه له " الذي أنقض ظهرك " أي أثقله حتى سمع نقيضه ، أي صوته . وأهل اللغة يقولون : أنقض الحمل ظهر الناقة : إذا سمعت له صريرا من شدة الحمل . وكذلك سمعت نقيض الرحل ، أي صريره . قال جميل :

وحتى تداعت بالنَّقِيضِ حبالُه *** وهمت بِوَانِي زَوْرِه أن تَحَطَّمَا

بواني زوره : أي أصول صدره . فالوزر : الحمل الثقيل . قال المحاسبي : يعني ثقل الوزر لو لم يعف اللّه عنه .


[16169]:آية 2 سورة الفتح.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ} (2)

ولما كانت سعة الصدر بالعلم والحكمة هي الجمال باجتماع المحاسن ، وكان ذلك مع حمل ما يعني من أعظم النكد ، وكان الجمال بجمع المحاسن لا يكمل إلا إذا جمع إلى الجمال الجلال بانتفاء الرذائل ، وكان الاستفهام الإنكاري إذا اجتمع مع النفي صار إثباتاً ، لأنه نفي للنفي ، قال عاطفاً عليه ما لا يعطف إلا مع الإثبات { ووضعنا } أي حططنا وأسقطنا وأبطلنا حطاً لا رجعة له ولا فيه بوجه بما لنا من العظمة ، مجاوزاً { عنك وزرك * } أي حملك الثقيل الذي لا يستطاع حمله .