فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ} (2)

{ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } معطوف على معنى ما تقدّم ، لا على لفظه : أي قد شرحنا لك صدرك ووضعنا الخ ، ومنه قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان :

ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح

أي أنتم خير من ركب المطايا ، وأندى الخ . قرأ الجمهور { نَشْرَحْ } بسكون الحاء بالجزم ، وقرأ أبو جعفر المنصور العباسي بفتحها . قال الزمخشري : قالوا لعله بيَّن الحاء وأشبعها في مخرجها ، فظنّ السامع أنه فتحها . وقال ابن عطية : إن الأصل ألم نشرحن بالنون الخفيفة ، ثم إبدالها ألفاً ، ثم حذفها تخفيفاً كما أنشد أبو زيد :

من أي يوميَّ من الموت أفر *** أيوم لم يقدّر أم يوم قدر

بفتح الراء من «لم يقدر » . ومثله قوله :

اضرب عنك الهموم طارقها *** ضربك بالسيف قونس الفرس

بفتح الباء من اضرب ، وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بلم ، وهو قليل جداً كقوله :

يحسبه الجاهل ما لم يعلما *** شيخا على كرسيه معمما

فقد تركبت هذه القراءة من ثلاثة أصول كلها ضعيفة : الأول توكيد المجزوم بلم ، وهو ضعيف . الثاني إبدالها ألفاً ، وهو خاص بالوقف ، فإجراء الوصل مجرى الوقف ضعيف . والثالث حذف الألف ، وهو ضعيف أيضاً ، لأنه خلاف الأصل ، وخرّجها بعضهم على لغة بعض العرب الذين ينصبون بلم ويجزمون بلن ، ومنه قول الشاعر :

في كل ما همّ أمضى رأيه قدما *** ولم يشاور في إقدامه أحدا

بنصب الراء من يشاور ، وهذه اللغة لبعض العرب ما أظنها تصح ، وإن صحت فليست من اللغات المعتبرة فإنها جاءت بعكس ما عليه لغة العرب بأسرها . وعلى كل حال فقراءة هذا الرجل مع شدّة جوره ومزيد ظلم ، وكثرة جبروته وقلة علمه ليس بحقيقة بالاشتغال بها . و«الوزر » : الذنب ، أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية . قال الحسن وقتادة والضحاك ومقاتل : المعنى حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية ، وهذا كقوله : { لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] .

/خ8