تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَفَرَءَيۡتَ إِن مَّتَّعۡنَٰهُمۡ سِنِينَ} (205)

192

المفردات :

أفرأيت : أخبرني .

إن متعناهم سنين : أبقينا على حياتهم يأكلون ويشربون وينكحون .

التفسير :

205 ، 206 ، 207 { أفرأيت إن متعناهم سنين*ثم جاءهم ما كانوا يوعدون*ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون }

أي : أخبرني أيها العاقل عن هؤلاء الكفار ، لو استجبنا إلى مطالبهم وتركناهم في الدنيا سنين عددا ، يأكلون ويشربون وينسلون ويتمتعون ، ثم نزل بهم العذاب ، هل ينفعهم أو يغني عنهم ما كانوا فيه من متاع الدنيا ؟

إن ذلك لن يغني عنهم شيئا في دفع العذاب أو تخفيفه ، وإنما هم خالدون في النار أبد الآبدين .

والخلاصة : إن طول التمتع ليس بدافع شيئا من عذاب الله ، إذا حل بهم ، وكأنهم لم يُمتعوا بنعيم قط .

كما قال تعالى : { كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أوضحاها } [ النازعات : 46 ] .

وقال سبحانه : { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون } [ البقرة : 96 ] .

وقال تعالى : { وما يغني عنه ماله إذا تردى } [ الليل : 11 ] .

قال الإمام ابن كثير : وفي الحديث الصحيح : ( يؤتي بالكافر فيغمس في النار غمسة ، ثم يقال له : هل رأيت خيرا قط ؟ هل رأيت نعيما قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ويؤتي بأشد الناس بؤسا كان في الدنيا ، فيصبغ في الجنة صبغة ، ثم يقال له : هل رأيت بؤسا قط ؟ فيقول : لا والله يا رب )xiii .

ولهذا كان عمر بن الخطاب يتمثل بهذا البيت :

كأنك لم تؤثر من الدهر ليلة *** إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب

وروى القرطبي ، عن الزهري : أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ، ثم قرأ : { أفرأيت إن متعناهم سنين* ثم جاءهم ما كانوا يوعدون* ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } ثم يبكي ويقول :

نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردّى لك لازمُ

فلا أنت في الأيقاظ حازم *** ولا أنت في النُوّام ناج فسالمُ

تسر بما يفنى وتفرح بالمُنَى *** كما سُرّ باللذات في النوم حالمُ

وتسعى إلى ما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم

وروي عن ميمون بن مهران أنه لقى الحسن-رضي الله عنه- في الطواف ، وكان يتمنى لقاءه ، فقال له : عظني ، فلم يزد على تلاوة هذه الآيات : { أفرأيت إن متعناهم سنين*ثم جاءهم ما كانوا يوعدون*ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون } فقال ميمون : لقد وعظتك فأبلغت .