اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَرَءَيۡتَ إِن مَّتَّعۡنَٰهُمۡ سِنِينَ} (205)

قوله : «أَفَرَأيْتَ » تقدم تحقيقه{[37978]} وقد تنازع «أَفَرَأَيْتَ »و «جَاءَهُمْ » في قوله : { مَا كَانُوا يُوعَدُونَ } فإن أعملت الثاني وهو «جَاءَهُمْ » رفعت به «مَا كَانُوا » فاعلاً به ، ومفعول «أَرَأَيْتَ »{[37978]} الأول ضميره ، ولكنه حذف ، والمفعول الثاني هو الجملة الاستفهامية في قوله{[2]} : { مَا أغنى عَنْهُمْ } ، ولا بدَّ من رابط بين هذه الجملة وبين المفعول الأول المحذوف ، وهو مقدر تقديره : أفرأيت ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم تمتُّعهم حين حلَّ ، أي : الموعود به ، ودلَّ على ذلك قوة الكلام .

وإن أعملت الأول نصبت به { مَا كَانُوا يُوعَدُونَ } وأضمرت في «جَاءَهُمْ » ضميره فاعلاً به ، والجملة الاستفهامية مفعول ثانٍ أيضاً ، والعائد مقدر على ما تقرر{[3]} في الوجه قبله{[4]} ، والشرط معترض ، وجوابه محذوف ، وهذا كله مفهوم مما تقدم في سورة الأنعام{[5]} وإنما ذكرناه هنا لأنه تقديرٌ ( عَسِرٌ يحتاج ){[6]} إلى تأمل . وهذا كله إنما يتأتى على قولنا : «مَا »{[7]} استفهامية ، ولا يضير تفسيرهم لها بالنفي{[8]} ، فإن الاستفهام قد يرد بمعنى النفي . وأما إذا جعلتها نافية حرفاً ، كما قاله أبو البقاء{[9]} فلا يتأتي ذلك ، لأنَّ مفعول «أَرَأَيْتَ » الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية كما تقرر{[10]} . قوله : { أَفَرَأَيْتَ إِن مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } كثيرة في الدنيا ، يعني كفار مكة ، ولم نهلكهم { ثُمَّ جَاءَهُم مَا كَانُوا يُوعَدُونَ } يعني : العذاب


[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[4]:أخرجه البخاري (4/301)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر رقم (2015)، ومسلم (2/822)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها... رقم (205- 1165).
[5]:تقدم.
[6]:سقط من: ب.
[7]:تقدم.
[8]:ينظر: تفسير القرطبي (20/93).
[9]:سقط من: ب.
[10]:الجامع لأحكام القرآن 20/91.
[37978]:في سورة الأنعام، عند قوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم السَّاعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} الآية (40).