إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } إشارةٌ إلى مصدرِ أنبتنا أو إلى كلِّ واحدٍ من تلك الأزواجٍ ، وأيَّا ما كان فما فيه من معنى البُعد للإيذانِ ببُعد منزلتِه في الفضلِ { لآيَةً } أي آيةً عظيمةً دالَّةً على كمالِ قُدرةِ مُنبتها وغايةِ وفُورِ علمهِ وحكمتِه ونهايةِ سعَةِ رحمتِه موجبةً للإيمانِ وازعةً عن الكُفرِ .

{ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ } أي أكثرُ قومِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ { مُّؤْمِنِينَ } قيل أي في علم الله تعالى وقضائِه حيثُ علم أزلاً أنَّهم سيُصرفون فيما لا يزالُ اختيارُهم الذي عليه يدورُ أمر التَّكليفِ إلى جانب الشَّرِّ ولا يتدبَّرون في هذه الآياتِ العظامِ . وقال سيبويه : كانَ صلةٌ ، والمعنى وما أكثرُهم مؤمنين وهو الأنسبُ بمقامِ بيانِ عُتوِّهم وغلوِّهم في المكابرةِ والعنادِ مع تعاضدِ موجباتِ الإيمانِ من جهتِه تعالى . وأما نسبةُ كفرِهم إلى علمهِ تعالى وقضائِه فرُبَّما يتُوهَّم منها كونُهم معذورينَ فيه بحسبِ الظَّاهرِ لأنَّ ما أُشير إليه من التَّحقيقِ ممَّا خفيَ على مَهَرةِ العُلماء المُتقنين ، كأنَّه قيل : إنَّ في ذلك لآيةً باهرةً موجبةً للإيمانِ وما أكثرُهم مُؤمنين مع ذلكَ لغايةِ تمادِيهم في الكُفرِ والضَّلالةِ وانهماكِهم في الغيِّ والجَهَالةِ . ونسبةُ عدمِ الإيمانِ إلى أكثرِهم لأنَّ منهم مَن سُيؤمن .