إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

وقوله تعالى : { إِن نَّشَأْ } الخ استئنافٌ مسوق لتعليلِ ما يُفهم من الكلام من النَّهي عن التَّحسرِ المذكور ببيانِ أنَّ إيمانَهم ليس ممَّا تعلَّقتْ به مشيئةُ الله تعالى حتماً فلا وجهَ للطَمعِ فيه والتَّألمِ من فواتِه . ومفعولُ المشيئةِ محذوفٌ لكونه مضمونَ الجزاءِ أعني قوله تعالى : { نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ السماء آيَةً } أي ملجئةً لهم إلى الإيمانِ قاسرةً عليه وتقديمُ الظَّرفينِ على المفعول الصَّريحِ لما مرَّ مراراً من الاهتمامِ بالمقدَّمِ والتَّشويقِ إلى المؤخّرِ { فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين } أي مُنقادين . وأصلُه فظلوا لها خاضعين فأُقحمت الأعناقُ لزيادةِ التَّقريرِ ببيانِ موضعِ الخضوعِ وتُرك الخبرُ على حالِه . وقيل لمَّا وُصفت الأعناقُ بصفاتِ العُقلاء أُجريتْ مجراهم في الصِّيغةِ أيضاً كما في قولِه تعالى : { رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [ سورة يوسف ، الآية4 ] وقيل : أُريد بها الرُّؤساءُ والجماعاتُ من قولِهم جاءنا عنقٌ من النَّاسِ أي فوجٌ منهم . وقُرئ خاضعةً . وقولُه تعالى : فظلَّتْ عطفٌ على ننزِّل باعتبارِ محلِّه .