جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ} (38)

وقوله : ثُمّ كانَ عَلَقَةً يقول تعالى ذكره : ثم كان دما من بعد ما كان نطفة ، ثم علقة ، ثم سوّاه بشرا سويا ، ناطقا سميعا بصيرا فَجَعَلَ مِنْهُ الزّوْجَينِ الذّكَرَ والأُنْثَى يقول تعالى ذكره : فجعل من هذا الإنسان بعد ما سوّاه خلقا سويا أولادا له ، ذكورا وإناثا ألَيْسَ ذلكَ بقادِرٍ على أنْ يُحْيِيَ المَوْتَى يقول تعالى ذكره : أليس الذي فعل ذلك فخلق هذا الإنسان من نطفة ، ثم علقة حتى صيره إنسانا سويا ، له أولاد ذكور وإناث ، بقادر على أن يُحييَ الموتى من مماتهم ، فيوجدهم كما كانوا من قبل مماتهم . يقول : معلوم أن الذي قَدِر على خَلق الإنسان من نطفة من منيّ يمنى ، حتى صيره بشرا سويا ، لا يُعجزه إحياء ميت من بعد مماته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ذلك قال : «بلى » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ألَيْسَ ذلكَ بقادِرٍ على أن يُحْيِيَ المَوْتَى ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال : «سبحانك وبلَى » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ} (38)

وعطف فعل { كان علقة } بحرف { ثم } للدلالة على التراخي الرتبي فإنّ كَوْنه علقة أعجب من كونه نطفةً لأنه صار علقة بعد أن كان ماءً فاختلط بما تفرزه رحم الأنثى من البويضات فكان من مجموعهما عَلقة كما تقدم في فائدة التقييد بقوله في سورة النجم ( 46 ) { من نطفة إذا تمنى } .

ولما كان تكوينه علقة هو مبدأ خلق الجسم عطف عليه قوله : فخلق } بالفاء ، لأن العلقة يعقبها أن تصير مضغة إلى أن يتم خلق الجسد وتنفخ فيه الروح .

وضمير { خلق } عائد إلى { ربك } [ القيامة : 30 ] . وكذلك عطف { فسَوّى } بالفاء .

والتسوية : جعل الشيء سواء ، أي معدلاً مقوماً قال تعالى : { فسواهن سبع سماوات } [ البقرة : 29 ] وقال : { الذي خلق فسوى } [ الأعلى : 2 ] ، أي فجعله جسداً من عظم ولحم . ومفعول ( خلق ) ومفعول ( سوى ) محذوفان لدلالة الكلام عليهما ، أي فخلقه فسوّاه .