جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا وَمَكَرۡنَا مَكۡرٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (50)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنّا دَمّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون في الأرض بصالح بمصيرهم إليه ليلاً ليقتلوه وأهله ، وصالح لا يشعر بذلك وَمَكَرْنا مَكْرا يقول : فأخذناهم بعقوبتنا إياهم ، وتعجيلنا العذاب لهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بمكرنا .

وقد بيّنا فيما مضى معنى : مكر الله بمن مكر به ، وما وجه ذلك ، وأنه أخذه من أخذه منهم على غرّة ، أو استدراجه منهم من استدرج على كفره به ، ومعصيته إياه ، ثم إحلاله العقوبة به على غرّة وغفلة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن رجل ، عن عليّ ، قال : المكر غدر ، والغدر كفر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَمَكَرُوا مَكْرا وَمَكَرْنا مَكْرا قال : احتالوا لأمرهم ، واحتال الله لهم ، مكروا بصالح مكرا ، ومكرنا ، ومكرنا بهم مكرا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ بمكرنا وشعرنا بمكرهم ، قالوا : زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه وأهله قبل ذلك ، وكان له مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه ، فخرجوا إلى كهف وقالوا : إذا جاء يصلي قتلناه ، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلى أهله ، ففرغنا منهم ، وقرأ قول الله تبارك وتعالى : قالُوا تَقاسَمُوا باللّهِ لَنُبَيّتَنّه وأهْلَهُ ، ثُمّ لَنَقُولَنّ لِوَلِيّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أهْلِهِ ، وإنّا لَصَادِقُونَ فبعث الله صخرة من الهَضْب حِيالَهم ، فخشُوا أن تشدَخَهم ، فبادروا الغار ، فَطَبقت الصخرة عليهم فم ذلك الغار ، فلا يدري قومُهم أين هم ؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم ؟ فعذّب الله تبارك وتعالى هؤلاء ها هنا ، وهؤلاء هنا ، وأنجى الله صالحا ومن معه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة وَمَكَرُوا مَكْرا وَمَكَرْنا مَكْرا قال : فسلط الله عليهم صخرة فقتلتهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا وَمَكَرۡنَا مَكۡرٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (50)

و «المكر » نحو الخديعة ، وسمى الله تعالى عقوبتهم باسم ذنبهم وهذا مهيع ومنه قوله تعالى : { يستهزىء بهم }{[9039]} [ البقرة : 15 ] وغير ذلك .


[9039]:من الآية 15 من سورة البقرة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَكَرُواْ مَكۡرٗا وَمَكَرۡنَا مَكۡرٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (50)

سمَّى الله تآمرهم مكراً لأنه كان تدبير ضُرّ في خفاءٍ . وأكد مكرهم بالمفعول المطلق للدلالة على قوته في جنس المكر ، وتنوينه للتعظيم .

والمكر الذي أسند إلى اسم الجلالة مكر مجازي . استعير لفظ المكر لمبادرة الله إياهم باستئصالهم قبل أن يتمكنوا من تبييت صالح وأهله ، وتأخيره استئصالهم إلى الوقت الذي تآمروا فيه على قتل صالح لشَبَه فِعللِ الله ذلك بفعل الماكر في تأجيل فعل إلى وقت الحاجة ، مع عدم إشعار من يُفعل به .

وأُكد مكر الله وعُظّم كما أكد مكرهم وعُظّم ، وذلك بما يناسب جنسه ، فإن عذاب الله لا يدانيه عذاب الناس فعظيمه أعظم من كل ما يقدره الناس .

والمراد بالمكر المسند إلى الجلالة هو ما دلت عليه جملة : { إنا دمرناهم وقومهم أجمعين } الآية .

وفي قوله : { وهم لا يشعرون } تأكيد لاستعارة المكر لتقدير الاستئصال فليس في ذلك ترشيحٌ للاستعارة ولا تجريد .