القول في تأويل قوله تعالى : { إِذَا السّمَآءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مّا قَدّمَتْ وَأَخّرَتْ } .
يقول تعالى ذكره : إذَا السّماءُ انْفَطَرَتْ : انشقّت ، وإذا كواكبها انتثرت منها فتساقطت ، وَإذَا الْبِحارُ فُجّرَتْ يقول : فجّر الله بعضها في بعض ، فملأ جميعها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في بعض ذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : وَإذَا الْبِحارُ فُجّرَتْ يقول : بعضها في بعض .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَإذَا الْبِحارُ فُجّرَتْ فُجر عذبها في مالحها ، ومالحها في عذبها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن وَإذَا الْبِحارُ فُجّرَتْ قال : فجّر بعضها في بعض ، فذهب ماؤها . وقال الكلبي : ملئت .
سميت هذه السورة { سورة الانفطار } في المصاحف ومعظم التفاسير .
وفي حديث رواه الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ إذا الشمس كورت ، وإذا السماء انفطرت ، وإذا السماء انشقت . قال الترمذي : حديث حسن غريب . وقد عرفت ما فيه من الاحتمال في أول سورة التكوير .
وسميت في بعض التفاسير { سورة إذا السماء انفطرت } وبهذا الاسم عنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه . ولم يعدها صاحب الإتقان مع السور ذات أكثر من اسم وهو الانفطار .
ووجه التسمية وقوع جملة { إذا السماء انفطرت } في أولها فعرفت بها .
وسميت في قليل من التفاسير { سورة انفطرت } ، وقيل تسمى { سورة المنفطرة } أي السماء المنفطرة .
وهي معدودة الثانية والثمانين في عداد نزول السور ، نزلت بعد سورة النازعات وقبل سورة الانشقاق .
واشتملت هذه السورة على : إثبات البعث ، وذكر أهوال تتقدمه .
وإيقاظ المشركين للنظر في الأمور التي صرفتهم عن الاعتراف بتوحيد الله تعالى وعن النظر في دلائل وقوع البعث والجزاء .
والأعلام بأن الأعمال محصاة . وبيان جزاء الأعمال خيرها وشرها .
وإنذار الناس بأن لا يحسبوا شيئا ينجيهم من جزاء الله إياهم على سيء أعمالهم .
الافتتاح ب { إذا } افتتاح مشوِّق لما يرد بعدها من متعلقها الذي هو جواب ما في ( إذا ) من معنى الشرط كما تقدم في أول سورة إذا الشمس كورت ، سوى أن الجمل المتعاطفة المضاف إليها هي هنا أقل من اللاتي في سورة التكوير لأن المقام لم يقتض تطويل الإِطناب كما اقتضاه المقام في سورة التكوير وإن كان في كلتيهما مقتض للإِطناب لكنه متفاوت لأن سورة التكوير من أول السور نزولاً كما علمت آنفاً .
وأما سورة الانفطار فبينها وبين سورة التكوير أربع وسبعون سورة تكرر في بعضها إثبات البعث والجزاء والإِنذار وتقرر عند المخاطبين فأغنى عن تطويل الإِطناب والتهويل .
و { إذا } ظرف للمستقبل متضمن معنى الشرط .
والمعربون يقولون : خافض لشرطه منصوب بجوابه ، وهي عبارة حسنة جامعة .
والقول في الجمل التي أضيف إليها { إذا } من كونها جملاً مفتتحة بمسند إليه مخبر عنه بمسند فعلي دون أن يؤتى بالجملة الفعلية ودون تقدير أفعال محذوفة قبل الأسماء ، لقصد الاهتمام بالمسند إليه وتقوية الخبر .
وكذلك القول في تكرير كلمة ( إذا ) بعد حروف العطف كالقول في جمل { إذا الشمس كورت } [ التكوير : 1 ] .
و { انفطرت } : مطاوع فطر ، إذا جعل الشيء مفطوراً ، أي مشقوقاً ذا فطور ، وتقدم في سورة الملك .
وهذا الانفطار : انفراج يقع فيما يسمى بالسماء وهو ما يشبه القبة في نظر الرائي يراه تسير فيه الكواكب في أسْمات مضبوطة تسمى بالأفلاك تشاهد بالليل ، ويعرف سمتها في النهار ، ومشاهدتها في صورة متماثلة مع تعاقب القرون تدل على تجانس ما هي مصورة منه فإذا اختلّ ذلك وتخللته أجسام أو عناصر غريبة عن أصل نظامه تفككت تلك الطباق ولاح فيها تشقق فكان علامة على انحلال النظام المتعلق بها كله .
والظاهر أن هذا الانفطار هو المعبر عنه بالانشقاق أيضاً في سورة الانشقاق وهو حدث يكون قبل يوم البعث وأنه من أشراط الساعة لأنه يحصل عند إفساد النظام الذي أقام الله عليه حركات الكواكب وحركة الأرض وذلك يقتضيه قرنه بانتثار الكواكب وتفجر البحار وتبعثر القبور .
وأما الكشط الذي تقدم في سورة التكوير ( 11 ) في قوله : { وإذا السماء كشطت } فذلك عرض آخر يعرض للسماوات يوم الحشر فهو من قبيل قوله تعالى : { ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً } [ الفرقان : 25 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.