جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ} (19)

قول تعالى ذكره : من أيّ شيء خلق الإنسانَ الكافرَ ربّه حتي يَتَكَبّرَ . ويتعظّم عن طاعة ربه ، والإقرار بتوحيده ثم بين جلّ ثناؤه الذي منه خلقه ، فقال : مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ أحوالاً : نطفة تارة ، ثم عَلَقة أخرى ، ثم مُضْغة ، إلى أن أتت عليه أحواله ، وهو في رحم أمه ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ يقول : ثم يسّره للسبيل ، يعني للطريق .

واختلف أهل التأويل في السبيل الذي يسّره لها ، فقال بعضهم : هو خروجه من بطن أمه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ يعني بذلك : خروجه من بطن أمه يسّره له .

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال : سبيل الرّحِم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن السديّ ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال : خروجه من بطن أمه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ثُمّ السَبِيلَ يَسّرَهُ قال : خروجه من بطن أمه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال : أخرجه من بطن أمه .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : طريق الحقّ والباطل ، بيّناه له وأعملناه ، وسهلنا له العمل به . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال : هو كقوله : إنّا هَدَيْناهُ السّبِيلَ إمّا شاكِرا وَإمّا كَفُورا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال : على نحو إنّا هَدَيْناهُ السّبِيلَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : سبيل الشقاء والسعادة ، وهو كقوله : إنّا هَدَيْناهُ السّبِيلَ .

حدثنا ابن عبدالأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال الحسن ، في قوله : ثُمّ السّبيلَ يَسّرَهُ قال : سبيل الخير .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال : هداه للإسلام الذي يسّره له ، وأعلمه به ، والسبيل سبيل الإسلام .

وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب . قول من قال : ثم الطريق ، وهو الخروج من بطن أمه يسّره .

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأنه أشبههما بظاهر الاَية ، وذلك أن الخبر من الله قبلها وبعدها عن صفته خلقه ، وتدبيره جسمه ، وتصريفه إياه في الأحوال ، فالأولى أن يكون أوسط ذلك نظير ما قبله وبعده .