الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ} (19)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فأعلمه كيف خلقه ليعتبر في خلقه فقال: {من نطفة خلقه فقدره} في بطن أمه من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم عظما، ثم روحا، فقدر هذا الخلق في بطن أمه ثم أخرج من بطن أمه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ" أحوالاً؛ نطفة تارة، ثم عَلَقة أخرى، ثم مُضْغة، إلى أن أتت عليه أحواله، وهو في رحم أمه.

"ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ" يقول: ثم يسّره للسبيل، يعني للطريق. واختلف أهل التأويل في السبيل الذي يسّره لها، فقال بعضهم: هو خروجه من بطن أمه...

وقال آخرون: بل معنى ذلك: طريق الحقّ والباطل، بيّناه له وأعملناه، وسهلنا له العمل به...

وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب. قول من قال: ثم الطريق، وهو الخروج من بطن أمه يسّره. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب، لأنه أشبههما بظاهر الآية، وذلك أن الخبر من الله قبلها وبعدها عن صفته خلقه، وتدبيره جسمه، وتصريفه إياه في الأحوال، فالأولى أن يكون أوسط ذلك نظير ما قبله وبعده...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

ثم بيّن تعالى مماذا خلقه فقال (من نطفة خلقه فقدره) فالتقدير: جعل الشيء على مقدار غيره، فلما كان الإنسان قد جعل على مقدار ما تقتضيه الحكمة في أمره من غير زيادة ولا نقصان، كان قد قدر أحسن التقدير، ودبر أحسن التدبير...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فهيأه لما يصلح له ويختص به...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والمعنى: جعله بقدر واحد معلوم من الأعضاء والخلق والأجل وغير ذلك من أنحائه حسب إرادته تعالى في إنسان إنسان...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ثم أجاب عن ذلك الاستفهام بقوله: {من نطفة خلقه} ولا شك أن النطفة شيء حقير مهين، والغرض منه أن من كان أصله من مثل هذا الشيء الحقير، فالنكير والتجبر لا يكون لائقا به.

ثم قال: {فقدره} وفيه وجوه:

(أحدها) قال الفراء: قدره أطوارا نطفة ثم علقة إلى آخر خلقه وذكرا أو أنثى وسعيدا أو شقيا.

(وثانيها) قال الزجاج: المعنى قدره على الاستواء كما قال: {أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا}.

(وثالثها): يحتمل أن يكون المراد وقدر كل عضو في الكمية والكيفية بالقدر اللائق بمصلحته، ونظيره قوله: {وخلق كل شيء فقدره تقديرا}...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

من هذا الشيء الذي لا قيمة له؛ ومن هذا الأصل الذي لا قوام له.. ولكن خالقه هو الذي قدره. قدره. من تقدير الصنع وإحكامه. وقدره: من منحه قدرا وقيمة فجعله خلقا سويا، وجعله خلقا كريما. وارتفع به من ذلك الأصل المتواضع، إلى المقام الرفيع الذي تسخر له فيه الأرض وما عليها...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وقدم الجار والمجرور في قوله: {من نطفة خلقه} محاكاة لتقديم المبيَّن في السؤال الذي اقتضى تقديمَه كونُه استفهاماً يستحق صدر الكلام، مع الاهتمام بتقديم ما منه الخلق، لما في تقديمه من التنبيه للاستدلال على عظيم حكمة الله تعالى إذ كوّن أبدع مخلوقٍ معروف من أهون شيء وهو النطفة. وإنما لم يستغن عن إعادة فعل خلقه في جملة الجواب مع العلم به بتقدم ذكر حاصله في السؤال لزيادة التنبيه على دقة ذلك الخلق البديع. فذكر فعل {خلقه} الثاني من أسلوب المساواة ليس بإيجاز، وليس بإطناب. والنطفة: الماء القليل، وهي فُعلة بمعنى مفعولة كقولهم: قُبضةُ حَب، وغُرفة ماء. وغلب إطلاق النطفة على الماء الذي منه التناسل، فذُكرت النطفة لتعيُّن ذكرها لأنها مادة خلق الحيوان للدلالة على أن صنع الله بديع فإمكان البعث حاصل، وليس في ذكر النطفة هنا إيماء إلى تحقير أصل نشأة الإنسان لأن قصد ذلك محل نظر، على أن المقام هنا للدلالة على خلقٍ عظيم وليس مقام زجر المتكبر. وفُرع على فعل {خلقه} فعلُ {فقدره} بفاء التفريع لأن التقدير هنا إيجاد الشيء على مقدار مضبوط منظم كقوله تعالى: {وخلق كل شيء فقدره تقديراً} [الفرقان: 2] أي جعل التقدير من آثار الخلق لأنه خلقه متهيئاً للنماء وما يلابسه من العقل والتصرف وتمكينه من النظر بعقله، والأعمال التي يريد إتيانها وذلك حاصل مع خلقه مدرَّجاً مفرعاً. وهذا التفريع وما عطف عليه إدماج للامتنان في خلال الاستدلال...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

قدّره: دبر خلقه على ناموس محسوب قويم...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

ما قيمة هذه النطفة؟ وماذا تملك في ذاتها من العناصر الذاتية للنمو؟ إنها ككل الأشياء لا تملك القدرة، ولكن الله هو الذي يقدّر لها طبيعة النمو، وحركة التحول، وعناصر التنوّع، وسرّ الحياة، بالمستوى الذي يصل فيه هذا الموجود الحقير إلى أن يكون خلقاً سوياً يملك السمع والبصر والحس والعقل والإرادة...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

فَلِمَ لا يتفكر الإنسان بأصل خلقته؟! لِمَ ينسى تفاهة مبدأه؟! ألاَ يجدر به أن يتأمل في قدرة الباري سبحانه، وكيف جعله موجوداً بديع الهيئة والهيكل من تلك النطفة الحقيرة القذرة!! ألا يتأمل!!.. فالنظرة الفاحصة الممعنة في خلق الإنسان من نطفة قذرة وتحويله إلى هيئته التامّة المقدرة من كافة الجهات، ومع ما منحه اللّه من مواهب واستعدادات... لأفضل دليل يقودنا بيسر إلى معرفته جلّ اسمه. «قَدَّره»: من (التقدير)، وهو الحساب في الشيء... وكما بات معلوماً أنّ أكثر من عشرين نوعاً من الفلزات وأشباه الفلزات داخلة في التركيب (البيولوجي) للإنسان، ولكلّ منها مقداراً معيناً ومحسوباً بدقّة متناهية من حيث الكمية الكيفية، بل ويتجاوز التقدير حدّ البناء الطبيعي للبدن ليشمل حتى الاستعدادات والغرائز والميول المودعة في الإنسان الفرد، بل وفي المجموع العام للبشرية، وقد وضع الحساب في مواصفات تكوينية ليتمكن الإنسان بواسطتها من الوصول إلى السعادة الإنسانية المرجوة. وتتجلّى عظمة تقدير الخالق سبحانه في تلك النطفة الحقيرة القذرة التي تتجلّى بأبهى صورها جمالاً وجلالاً، حيث لو جمعنا الخلايا الأصلية للإنسان (الحيامن) لجميع البشر، ووضعناها في مكان واحد، لكانت بمقدار حمصة! نعم... فقد أودعت في هذا المخلوق العاقل الصغير كلّ هذه البدائع والقابليات. وقيل: التقدير بمعنى التهيئة. وثمّة احتمال آخر، يقول التقدير بمعنى إيجاد القدرة في هذه النطفة المتناهية في الصغر. فما أجلّ الإله الذي جعل في موجود ضعيف كلّ هذه القدرة والاستطاعة، فترى النطفة بعد أن تتحول إلى الإنسان تسير وتتحرك بين أقطار السماوات والأرض، وتغوص في أعماق البحار وقد سخرت لها كلّ ما يحيط بها من قوى. ولا مانع من الأخذ بالتفاسير الثلاث جملةً واحدةً...