التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (186)

واستمع قوم شعيب إلى تلك النصائح الحكيمة . ولكن لم يتأثروا بها ، بل اتهموا نبيهم فى عقله وفى صدقه ، وتحدوه فى رسالته فقالوا - كما حكى القرآن عنهم - : { إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السمآء إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } .

قالوا له بسفاهة وغرور : إنما أنت يا شعيب من الذين أصيبوا بسحر عظيم جعلهم لا يعقلون ما يقولون ، أو إنما أنت من الناس الذين يأكلون الطعام ، ويشربون الشراب ، ولا مزية لك برسالة أو بنبوة علينا ، فأنت بشر مثلنا ، وما نظنك إلا من الكاذبين فيما تدعيه ، فإن كنت صادقا فى دعوى الرسالة فأسقط علينا { كِسَفاً مِّنَ السمآء } أى : قطعا من العذاب الكائن من جهة السماء .

وجاء التعبير بالواو هنا فى قوله { وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } للإشارة إلى أنه جمع بين أمرين منافيين لدعواه الرسالة ، وهما : كونه من المسحرين وكونه بشرا وقصدوا بذلك المبالغة فى تكذيبه ، فكأنهم يقولون له : إن وصفا واحدا كاف فى تجريدك من نبوتك فكيف إذا اجتمع فيك الوصفان ، ولم يكتفوا بهذا بل أكدوا عدم تصديقهم له فقالوا : وما نظنك إلا من الكاذبين .

ثم أضافوا إلى كل تلك السفاهات . الغرور والتحدى حيث تعجلوا العذاب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (186)

الإتيانُ بواو العطف في قوله : { وما أنت إلا بشر مثلنا } يجعل كونه بشراً إبطالاً ثانياً لرسالته . وترك العطف في قصة ثمود يجعل كونه بشراً حجة على أن ما يصدر منه ليس وحياً من الله بل هو من تأثير كونه مسحوراً . فمآل معنيي الآيتين متّحد ولكن طريق إفادته مختلف وذلك على حسب أسلوب الحكايتين .

وأطلق الظن على اليقين في { وإن نظنك لمن الكاذبين } وهو إطلاق شائع كقوله : { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } [ البقرة : 46 ] ، وقرينته هنا دخول اللام على المفعول الثاني ل ( ظَنَّ ) لأن أصلها لام قسم .

و { إنْ } مخففة من الثقيلة ، واللام في { لَمِن الكاذبين } اللامُ الفارقة ، وحقها أن تدخل على ما أصله الخبر فيقال هنا مثلاً : وإن أنت لَمن الكاذبين ، لكن العرب توسعوا في المخففة فكثيراً ما يدخلونها على الفعل الناسخ لشدة اختصاصه بالمبتدأ والخبَر فيجتمع في الجملة حينئذ ناسخان مثل قوله تعالى : { وإن كانت لكبيرة } [ البقرة : 143 ] وكان أصل التركيب في مثله : ونظنّ أنك لمن الكاذبين ، فوقع تقديم وتأخير لأجل تصدير حرف التوكيد لأن ( إنّ ) وأخواتها لها صدر الكلام ما عدا ( أنّ ) المفتوحة . وأحسب أنهم ما يخفّفون ( إنّ ) إلا عند إرادة الجمع بينها وبين فعل من النواسخ على طريقة التنازع ، فالذي يقول : إنْ أظنك لخائفاً ، أراد أن يقول : أظن إنَّك لخائف ، فقدم ( إنَّ ) وخففها وصيّر خبرها مفعولاً لفعل الظن ، فصار : إنْ أظنّك لخائفاً ، والكوفيون يجعلون { إنْ } في مثل هذا الموقع حرف نفي ويجعلون اللام بمعنى ( إلاَّ ) .