التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ نَبَؤٌاْ عَظِيمٌ} (67)

أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم أن ما جاءهم به من عند ربه أمر عظيم ، لا يليق بعاقل أن يعرض عنه فقال : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ . } : أى : قل - يا محمد - لهؤلاء المشركين : إن ما جئتكم به من عند ربى من قرآن كريم ، ومن هدايات بها تسعدون فى دنياكم وآخرتكم ، هو خبر عظيم ، يجب أن تلقوا إليه أسماعكم ، وأن تهيئوا نفوسكم لقبوله . . فالآية . . . دعوة هامة لهم لكى يقلعوا عن شركهم ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ هُوَ نَبَؤٌاْ عَظِيمٌ} (67)

إعادة الأمر بالقَول هنا مستأنَفاً . والعدولُ عن الإِتيان بحرف يعطف المقول أعني { هُوَ نَبؤٌا عَظِيمٌ } على المقول السابق أعني { أنا مُنذِرٌ } [ ص : 65 ] ، عدول يشعر بالاهتمام بالمقول هنا كي لا يؤتى به تابعاً لمقوللٍ آخر فيضعف تصدي السامعين لوعيه .

وجملة { قُلْ هو نبؤا عظيمٌ أنتُم عنه مُعرضونَ } يجوز أن تكون في موقع الاستئناف الابتدائي انتقالاً من غرض وصف أحوال أهل المحشر إلى غرض قصة خلق آدم وشقاء الشيطان ، فيكون ضمير { هُوَ } ضميرَ شأن يفسره ما بعده وما يُبيّن به ما بعده من قوله : { إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين } [ ص : 71 ] جعل هذا كالمقدمة للقصة تشويقاً لتلقّيها فيكون المراد بالنبأ نبأَ خَلق آدم وما جرى بعده ، ويكون ضمير { يَخْتصِمُونَ } عائداً إلى الملأ الأعلى لأن الملأ جماعة . ويراد بالاختصام الاختلاف الذي جرى بين الشيطان وبين من بلَّغ إليه من الملائكة أمرَ الله بالسجود لآدم ، فالملائكة هم الملأ الأعلى وكان الشيطان بينهم فعُدّ منهم قبل أن يطرد من السماء .

ويجوز أن تكون جملة { قُلْ هو نبؤا عظيمٌ } الخ تذييلاً للذي سبق من قوله : { وإنَّ للمتَّقينَ لحُسنَ مئابٍ } [ ص : 49 ] إلى هنا ، تذييلاً يشعر بالتنويه به وبطلب الإِقبال على التدبر فيه والاعتبار به . وعليه يكون ضمير { هُوَ } ضميراً عائداً إلى الكلام السابق على تأويله بالمذكور فلذلك أُتِي لتعريفه بضمير المفرد .

والمراد بالنبأ : خبر الحشر وما أُعد فيه للمتقين من حسن مآب ، وللطاغين من شر مآب ، ومن سوء صحبة بعضهم لبعض ، وتراشقهم بالتأنيب والخصام بينهم وهم في العذاب ، وترددهم في سبب أن لم يجدوا معهم المؤمنين الذين كانوا يَعدّونهم من الأشرار . ووصف النبأ ب { عَظِيمٌ } تهويل على نحو قوله تعالى : { عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون } [ النبأ : 13 ] . وعظمة هذا النبأ بين الأنباء من نوعه من أنباء الشر مثل قوله : { فساد كبير } [ الأنفال : 73 ] ، فتم الكلام عند قوله تعالى : { أنتم عنه معرضون } .

فتكون جملة { ما كانَ لي مِن علم بالملأ الأعلى } إلى قوله : { نَذِيرٌ مبينٌ } استئنافاً للاستدلال على صدق النبأ بأنه وحي من الله ولولا أنه وحي لما كان للرسول صلى الله عليه وسلم قِبَل بمعرفة هذه الأحوال على حد قوله تعالى : { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون } [ آل عمران : 44 ] ، ونظائر هذا الاستدلال كثيرة في القرآن .

وتكون جملة { إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً } [ ص : 71 ] إلى آخره استئنافاً ابتدائياً .

وعلى هذا فضمير { يختصمون } عائد إلى أهل النار من قوله : { تخاصُمُ أهللِ النارِ } [ ص : 64 ] إذ لا تخاصم بين أهل الملأ الأعلى . والمعنى : ما كان لي من علم بعالَم الغيب وما يجري فيه من الإِخبار بما سيكون إذ يَختصم أهل النار في النار يوم القيامة .