ثم بين - سبحانه - ان القضاء الحق فى هذا اليوم مرده إليه وحده فقال : { والله يَقْضِي بالحق . . . } .
أى : والله - تعالى - يقضى بين عباده قضاء ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل .
{ والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ . . } أى : والآلهة الذين يعبدهم الكفار من دون الله - تعالى - لا يقضون بشئ أصلا ، لأنهم لا يعلمون شيئا ، ولا يقدرون على شئ ، وإذا فهم أعجز وأتفه من أن يلتفت إليهم .
{ إِنَّ الله } - تعالى - { هُوَ السميع } لكل شئ { البصير } بكل شئ ، لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء .
كان مقتضى الظاهر أن يؤتَى بجملة { يقضي بالحق } معطوفة بالواو على جملة { يعلم خائنة الأعين } [ غافر : 19 ] فيقال : ويقضى بالحق ولكن عدل عن ذلك لما في الاسم العلم لله تعالى من الإِشعار بما يقتضيه المسمى به من صفات الكمال التي منها العدل في القضاء ، ونظيره في الإِظهار في مقام الإِضمار قوله تعالى : { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه } [ الرعد : 41 ] . وليحصل من تقديم المسند إليه على المسند الفعلي تقوِّي المعنى ، ومنه قوله تعالى : { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون } [ الأنفال : 36 ] أعيد الموصول ولم يؤت بضمير { الذين كفروا } ليُفيد تقديمُ الاسم على الفعل تقوّي الحكم .
والجملة من تمام الغرض الذي سيقت إليه جملة { يعلم خائنة الأعين } [ غافر : 19 ] كما تقدم ، وكلتاهما ناظرة إلى قوله : { ما للظالمين من حميم ولا شفيع } [ غافر : 18 ] أي أن ذلك من القضاء بالحق .
وأما جملة { والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء } فناظرة إلى جملة { ما للظالمين من حميم ولا شفيع } [ غافر : 18 ] فبعد أن نُفي عن أصنامهم الشفاعة ، نُفيَ عنها القضاءُ بشيء مَّا بالحق أو بالباطل وذلك إظهار لعجزِها . ولا تحْسِبنَّ جملةَ { والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء } مسوقةً ضميمة إلى جملة : { والله يقضي بالحق } ليفيد مجموع الجملتين قصر القضاء بالحق على الله تعالى قَصْرَ قلب ، أي دون الأصنام ، كما أفيد القصر من ضم الجملتين في قول السمَوْأل أو عبد الملك الحارثي :
تَسيل على حد الظُّبات نفوسنا *** وليست على غير الظُّبات تسيل
لأن المنفي عن آلهتهم أعمّ من المثبت لله تعالى ، وليس مثل ذلك مما يضاد صيغة القصر لكفى في إفادته تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي بحَمْله على إرادة الاختصاص في قوله : { والله يقضي بالحق } . فالمراد من قوله : { والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء } التذكير بعجز الذين يدعونهم وأنهم غير أهل للإِلهية ، وهذه طريقة في إثبات صفة لموصوف ثم تعقيب ذلك بإظهار نقيضه فيما يُعدّ مساوياً له كما في قول أمية بن أبي الصلت :
تلك المكارمُ لا قَعْبَاننِ من لَبَن *** شيباً بماءٍ فصار فيما بعدُ أبوالا
وإلاَّ لما كان لعطف قوله : لا قَعْبانِ من لبن ، مناسبة .
والدعاء يجوز أن يكون بمعنى النداء وأن يكون بمعنى العبادة كما تقدم آنفاً .
وجملة { إن الله هو السميع البصير } مقررة لجمل { يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور } إلى قوله : { لا يَقْضُون بشيء } [ غافر : 19 ، 20 ] . فتوسيط ضمير الفصل مفيد للقصر وهو تعريض بأن آلهتهم لا تسمع ولا تبصر فكيف ينسبون إليها الإِلهية ، وإثبات المبالغة في السمع والبصر لله تعالى يُقرر معنى { يَقْضِي بالحق } لأن العالم بكل شيء تتعلق حكمته بإرادة الباطل ولا تخطىء أحكامه بالعثار في الباطل . وتأكيد الجملة بحرف التأكيد تحقيق للقصر . وقد ذكر التفتزاني في « شرح المفتاح » في مبحث ضمير الفصل أن القصر يُؤكَّد .
وقرأ نافع وهشام عن ابن عامر { تدعُون بتاء الخطاب على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لقرع أسماع المشركين بذلك . وقرأ الجمهور بياء الغيبة على الظاهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.