ثم عجَّب - سبحانه - نبيه صلى الله عليه وسلم من حال هذا الشقي وأمثاله ، فقال : { أَرَأَيْتَ الذي ينهى . عَبْداً إِذَا صلى } . فالاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَرَأَيْتَ . . . } للتعجيب من جهالة هذا الطاغى ، وانطماس بصيرته ، حيث نهى عن الخير ، وأمر بالشر ، والمراد بالعبد : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنكيره للتفخيم والتعظيم .
أى : أرأيت وعلمت - أيها الرسول الكريم - حالا أعجب وأشنع من حال هذا الطاغى الأحمق ، الذى ينهاك عن إقامة العبادة لربك الذى خلقك وخلقه .
وجملة : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } إلى آخرها هي المقصود من الردع الذي أفاده حرف { كلاّ } ، فهذه الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً متصلاً باستئناف جملة : { إن الإنسان ليطغى } .
و{ الذي ينهى } اتفقوا على أنه أريد به أبو جهل إذ قال قولاً يريد به نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في المسجد الحرام فقال في ناديه : لئن رأيت محمداً يصلي في الكعبة لأطَأنَّ على عنقه . فإنه أراد بقوله ذلك أن يبلُغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو تهديد يتضمن النهي عن أن يصلي في المسجد الحرام ولم يروَ أنه نهاه مشافهة .
و { أرأيت } كلمة تعجيب من حاللٍ ، تُقال للذي يُعْلَم أنه رأى حالاً عجيبة . والرؤية علمية ، أي أعلمت الذي ينهى عبداً والمستفهم عنه هو ذلك العلم ، والمفعول الثاني ل« رأيت » محذوف دل عليه قوله في آخر الجمل { ألم يعلم بأن الله يرى } [ العلق : 14 ] .
والاستفهام مستعمل في التعجيب لأن الحالة العجيبة من شأنها أن يستفهم عن وقوعها استفهام تحقيق وتثبيت لِنَبئها إذ لا يكاد يصدق به ، فاستعمال الاستفهام في التعجيب مجاز مرسل في التركيب . ومجيء الاستفهام في التعجيب كثير نحو { هل أتاك حديث الغاشية } [ الغاشية : 1 ] .
والرؤية علمية ، والمعنى : أعجب ما حصل لك من العلم قال الذي ينهى عبداً إذا صلى . ويجوز أن تكون الرؤية بصرية لأنها حكاية أمر وقع في الخارج والخطاب في { أرأيت } لغير معيّن .
والمراد بالعبد النبي صلى الله عليه وسلم وإطلاق العبد هنا على معنى الواحد من عباد الله أيّ شَخْصٍ كما في قوله تعالى : { بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد } [ الإسراء : 5 ] ، أي رجالاً .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ذُكر أن هذه الآية وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام ، وذلك أنه قال فيما بلغنا : لئن رأيت محمدا يصلي ، لأطأنّ رقبته ، وكان فيما ذُكر قد نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي ، فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أرأيت يا محمد أبا جهل الذي يَنْهاك أن تصليَ عند المَقام ، وهو مُعرض عن الحقّ ، مكذّب به ، يُعجّب، جلّ ثناؤه، نبيه والمؤمنين من جهل أبي جهل ، وجراءته على ربه ، في نهيه محمدا عن الصلاة لربه ، وهو مع أياديه عنده مكذّب به ....
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ومعناه : أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته . ...
واعلم أن ظاهر الآية أن المراد في هذه الآية هو الإنسان المتقدم ذكره ، فلذلك قالوا : إنه ورد في أبي جهل ، وذكروا ما كان منه من التوعد لمحمد عليه الصلاة والسلام حين رآه يصلي ، ولا يمتنع أن يكون نزولها في أبي جهل ، ثم يعم في الكل ، لكن ما بعده يقتضي أنه في رجل بعينه...
قال : { ينهى عبدا } ولم يقل : ينهاك ، وفيه فوائد؛
( أحدها ) : أن التنكير في عبدا يدل على كونه كاملا في العبودية ، كأنه يقول : إنه عبد لا يفي العالم بشرح بيانه وصفة إخلاصه في عبوديته ... فكأنه تعالى قال : ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية وذلك عين الجهل والحمق.
( وثانيها ) : أن هذا أبلغ في الذم لأن المعنى أن هذا دأبه وعادته فينهى كل من يرى.
( وثالثها ) : أن هذا تخويف لكل من نهى عن الصلاة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أخبر بطغيانه وعجل بذكر دوائه لأن المبادرة بالدواء لئلا يتحكم الداء واجبة ، دل على طغيانه مخوفاً من عواقب الرجعى في أسلوب التقرير ؛ لأنه أوقع في النفس ، وأروع للّب ، لأن أبا جهل قال : " لئن رأيت محمداً يعفر وجهه لأفضخن رأسه بصخرة ، فجاء ليفعل ما زعم فنكص على عقبيه ، ويبست يداه على حجره ، فسئل عما دهاه ، فقال : إن بيني وبينه لهولاً وأجنحة ، وفي رواية : لخندقاً من النار ، وفي رواية : لفحلاً من الإبل ، فما رأيت مثله ، ولو دنوت منه لأكلني " وأصل الحديث في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، فقال : { أرءيت } تقدم في الأنعام أن هذا الفعل إذا لم يكن بصرياً كان بمعنى أخبر ، فالمعنى : أخبرني هل علمت بقلبك علماً هو في الجلاء كرؤية بصرك { الذي ينهى } أي على سبيل التجديد والاستمرار .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والاستفهام مستعمل في التعجيب..... ومجيء الاستفهام في التعجيب كثير نحو { هل أتاك حديث الغاشية } [ الغاشية : 1 ] . والرؤية علمية ، والمعنى : أعجب ما حصل لك من العلم قال الذي ينهى عبداً إذا صلى . ويجوز أن تكون الرؤية بصرية لأنها حكاية أمر وقع في الخارج والخطاب في { أرأيت } لغير معيّن . والمراد بالعبد النبي صلى الله عليه وسلم وإطلاق العبد هنا على معنى الواحد من عباد الله أيّ شَخْصٍ ....
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.