وروي أن أبا جهل لعنه الله قال : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم ، قال : فو الذي يحلف به لئن رأيته لوطأت عنقه ، فجاءه وهو صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، ثم نكص على عقبيه ، فقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ فقال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار ، فنزلت { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } أي أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله ، وهذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم على وجه التعجب ، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : " اللهم أعز الإسلام بعمر أو بأبي جهل بن هشام " ، وكأنه تعالى قال له : يا محمد كنت تظن أنه يعز به الإسلام وهو ينهى عن الصلاة التي هي أول أركان الإسلام ، وكان يلقب بأبي الحكم ، فقيل له : كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن خدمة ربه ويأمر بعبادة الجماد ؟ وفي تنكير العبد دلالة على التفخيم ، كأنه قال : هو عبد لا يكتنه كنه إخلاصه في العبودية ، ولا يوصف شرح أخلاقه بالكلية . يروى أن يهودياً من فصحاء اليهود جاء إلى عمر في أيام خلافته وقال : أخبرني عن أخلاق رسولكم . فقال عمر : اطلب من بلال فهو أعلم به مني . ثم إن بلالاً دل على فاطمة عليها السلام ، وهي دلته على علي رضي الله عنه . فلما سأل علياً رضي الله عنه قال : صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه . فقال اليهودي : هذا لا يتيسر لي ، فقال علي رضي الله عنه : عجزت عن وصف الدنيا وقد حكم الله بقلته حيث قال { قل متاع الدنيا قليل } [ النساء :77 ] فكيف أصف أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وقد شهد الله بأنه عظيم في قوله { وإنك لعلى خلق عظيم }[ القلم :4 ] والحاصل أنه سبحانه كأنه قال : ما أجهل من ينهى أشد الخلق عبودية عن الصلاة ، والنهي عن الصلاة مذموم عند العقلاء . يروى أن علياً رضي الله عنه رأى في المصلى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد فقال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فقيل له : ألا تنهاهم ؟ فقال : أخشى أن أدخل تحت قوله { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } فلم يصرح بالنهي . وأخذ أبو حنيفة منه هذا الأدب الجميل حين قاله له أبو يوسف : أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع : اللهم اغفر لي ؟ فقال : يقول ربنا لك الحمد ويسجد ، ولم يصرح بالنهي عن الدعاء .
ويحتمل أن يراد بالتنكير الوحدة كأنه قيل : أيظن أبو جهل أنه لو لم يسجد محمد لي وهو عبد واحد لا أجد ساجداً غيره ولي من الملائكة المقربين ما لا يحصيه إلا الله . وفيه تفخيم شأن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من شهرته بالعبودية لا يحتاج إلى سبق الذكر كقوله { أسرى بعبده } [ الإسراء :1 ] { أنزل على عبده }[ الفرقان } . وعن الحسن أن الناهي أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة .
وأما الخطاب في قوله { أرأيت إن كان على الهدى } فالأكثرون على أنه للنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ، ليكون على نسق واحد . وقال في الكشاف : معناه أخبرني أن ذلك الناهي إن كان على طريق سديد فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى ، أو كان آمراً بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد ، أو كان على سيرة التكذيب والتولي عن الدين الصحيح كما نقول نحن .
{ ألم يعلم بأن الله يرى } ويطلع على أحواله من هداه أو ضلاله فيجازيه على ذلك ، وهو وعيد . فقوله { الذي ينهى } مفعول أول ل { أرأيت } الأول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.