غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يَنۡهَىٰ} (9)

1

وروي أن أبا جهل لعنه الله قال : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم ، قال : فو الذي يحلف به لئن رأيته لوطأت عنقه ، فجاءه وهو صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، ثم نكص على عقبيه ، فقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ فقال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار ، فنزلت { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } أي أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله ، وهذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم على وجه التعجب ، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : " اللهم أعز الإسلام بعمر أو بأبي جهل بن هشام " ، وكأنه تعالى قال له : يا محمد كنت تظن أنه يعز به الإسلام وهو ينهى عن الصلاة التي هي أول أركان الإسلام ، وكان يلقب بأبي الحكم ، فقيل له : كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن خدمة ربه ويأمر بعبادة الجماد ؟ وفي تنكير العبد دلالة على التفخيم ، كأنه قال : هو عبد لا يكتنه كنه إخلاصه في العبودية ، ولا يوصف شرح أخلاقه بالكلية . يروى أن يهودياً من فصحاء اليهود جاء إلى عمر في أيام خلافته وقال : أخبرني عن أخلاق رسولكم . فقال عمر : اطلب من بلال فهو أعلم به مني . ثم إن بلالاً دل على فاطمة عليها السلام ، وهي دلته على علي رضي الله عنه . فلما سأل علياً رضي الله عنه قال : صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه . فقال اليهودي : هذا لا يتيسر لي ، فقال علي رضي الله عنه : عجزت عن وصف الدنيا وقد حكم الله بقلته حيث قال { قل متاع الدنيا قليل } [ النساء :77 ] فكيف أصف أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وقد شهد الله بأنه عظيم في قوله { وإنك لعلى خلق عظيم }[ القلم :4 ] والحاصل أنه سبحانه كأنه قال : ما أجهل من ينهى أشد الخلق عبودية عن الصلاة ، والنهي عن الصلاة مذموم عند العقلاء . يروى أن علياً رضي الله عنه رأى في المصلى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد فقال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فقيل له : ألا تنهاهم ؟ فقال : أخشى أن أدخل تحت قوله { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } فلم يصرح بالنهي . وأخذ أبو حنيفة منه هذا الأدب الجميل حين قاله له أبو يوسف : أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع : اللهم اغفر لي ؟ فقال : يقول ربنا لك الحمد ويسجد ، ولم يصرح بالنهي عن الدعاء .

ويحتمل أن يراد بالتنكير الوحدة كأنه قيل : أيظن أبو جهل أنه لو لم يسجد محمد لي وهو عبد واحد لا أجد ساجداً غيره ولي من الملائكة المقربين ما لا يحصيه إلا الله . وفيه تفخيم شأن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من شهرته بالعبودية لا يحتاج إلى سبق الذكر كقوله { أسرى بعبده } [ الإسراء :1 ] { أنزل على عبده }[ الفرقان } . وعن الحسن أن الناهي أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة .

وأما الخطاب في قوله { أرأيت إن كان على الهدى } فالأكثرون على أنه للنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ، ليكون على نسق واحد . وقال في الكشاف : معناه أخبرني أن ذلك الناهي إن كان على طريق سديد فيما ينهى عنه من عبادة الله تعالى ، أو كان آمراً بالتقوى فيما يأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد ، أو كان على سيرة التكذيب والتولي عن الدين الصحيح كما نقول نحن .

{ ألم يعلم بأن الله يرى } ويطلع على أحواله من هداه أو ضلاله فيجازيه على ذلك ، وهو وعيد . فقوله { الذي ينهى } مفعول أول ل { أرأيت } الأول .

/خ19