التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يَنۡهَىٰ} (9)

وجملة : { أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى } إلى آخرها هي المقصود من الردع الذي أفاده حرف { كلاّ } ، فهذه الجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً متصلاً باستئناف جملة : { إن الإنسان ليطغى } .

و{ الذي ينهى } اتفقوا على أنه أريد به أبو جهل إذ قال قولاً يريد به نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في المسجد الحرام فقال في ناديه : لئن رأيت محمداً يصلي في الكعبة لأطَأنَّ على عنقه . فإنه أراد بقوله ذلك أن يبلُغ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو تهديد يتضمن النهي عن أن يصلي في المسجد الحرام ولم يروَ أنه نهاه مشافهة .

و { أرأيت } كلمة تعجيب من حاللٍ ، تُقال للذي يُعْلَم أنه رأى حالاً عجيبة . والرؤية علمية ، أي أعلمت الذي ينهى عبداً والمستفهم عنه هو ذلك العلم ، والمفعول الثاني ل« رأيت » محذوف دل عليه قوله في آخر الجمل { ألم يعلم بأن الله يرى } [ العلق : 14 ] .

والاستفهام مستعمل في التعجيب لأن الحالة العجيبة من شأنها أن يستفهم عن وقوعها استفهام تحقيق وتثبيت لِنَبئها إذ لا يكاد يصدق به ، فاستعمال الاستفهام في التعجيب مجاز مرسل في التركيب . ومجيء الاستفهام في التعجيب كثير نحو { هل أتاك حديث الغاشية } [ الغاشية : 1 ] .

والرؤية علمية ، والمعنى : أعجب ما حصل لك من العلم قال الذي ينهى عبداً إذا صلى . ويجوز أن تكون الرؤية بصرية لأنها حكاية أمر وقع في الخارج والخطاب في { أرأيت } لغير معيّن .

والمراد بالعبد النبي صلى الله عليه وسلم وإطلاق العبد هنا على معنى الواحد من عباد الله أيّ شَخْصٍ كما في قوله تعالى : { بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد } [ الإسراء : 5 ] ، أي رجالاً .