التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (57)

وقوله { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ } أي : أعطوا كل ذلك فضلا من ربك ، فقوله { فَضْلاً } منصوب على المصدرية بفعل محذوف . أو على أنه مفعول لأجله . أي : لأجل الفضل منه - سبحانه - .

{ ذَلِكَ } الذى أعطيناهم إياه { هُوَ الفوز العظيم } الذي لا يدانيه ولا يساميه فضل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (57)

{ فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }أي : إنما كان هذا{[26298]} بفضله عليهم وإحسانه إليهم كما ثبت في الصحيح {[26299]} عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اعملوا وسددوا وقاربوا ، واعلموا أن أحدًا لن يُدخله عمله الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمَّدني الله برحمة منه وفضل " {[26300]} .


[26298]:- (1) في ت: "ذلك".
[26299]:- (2) في أ: "الصحيحين".
[26300]:- (3) صحيح البخاري برقم (6467) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
   
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (57)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ذلك الذي ذكر في الجنة كان {فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم}، يعني الكبير، يعني النجاة العظيمة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَوَقاهُمْ عَذَابَ الجَحِيمِ فَضْلاً مِنْ رَبّكَ"، يقول تعالى ذكره:وقى هؤلاء المتقين ربهم يومئذٍ عذاب النار، تفضلاً يا محمد من ربك عليهم، وإحسانا منه إليهم بذلك، ولم يعاقبهم بجرم سلف منهم في الدنيا، ولولا تفضله عليهم بصفحه لهم عن العقوبة لهم على ما سلف منهم من ذلك، لم يقهم عذاب الجحيم، ولكن كان ينالهم ويصيبهم ألمه ومكروهه.

هذا الذي أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة التي وصفت في هذه الآيات، هو الفوز العظيم: هو الظفر العظيم بما كانوا يطلبون من إدراكه في الدنيا بأعمالهم وطاعتهم لربهم، واتقائهم إياه، فيما امتحنهم به من الطاعات والفرائض واجتناب المحارم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

الفوز بأحد شيئين: أما الظَّفر فبما يأمل ويرجو، فإذا ظفِر بذلك يقال: فاز. وأما النجاة فممّا يحذر ويخاف؛ إذا حذر أمرا يخافه، فيخلُص من ذلك؛ يقال: فأيُّهما كان فهو فوز.

{العظيم} جميع أمور الآخرة وحالها سمّي عظيما من العذاب والنعيم.

قال الله تعالى: {ليوم عظيم} [المطففين: 5] وقال {عذاب يوم عظيم}

[الأنعام: 15 و...].

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان السياق للمتقين، فكان ربما ظن أن هذا الذي فعل بهم حق لهم لا بد ولا محيد عنه، بين أن الأمر على غير ذلك، وأنه سبحانه لو واخذهم ولم يعاملهم بفضله وعفوه لهلكوا، فقال: {فضلاً} أي فعل بهم ذلك لأجل الفضل، ولذلك عدل عن مظهر العظمة فقال تعالى: {من ربك} أي المحسن إليك بكمال إحسانه إلى اتباعك إحساناً يليق بك، قال الرازي في اللوامع: أصل الإيمان رؤية الفضل في جميع الأحوال.

ولما عظمه تعالى بإظهار هذه الصفة مضافة إليه صلى الله عليه وسلم، زاد في تعظيمه بالإشارة بأداة البعد فقال: {ذلك} أي الفضل العظيم الواسع.

{هو} أي خاصة {الفوز} أي الظفر بجميع المطالب.

{العظيم} الذي لم يدع جهة الشرف إلا ملأها.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {ذلك هو الفوز العظيم} تذييل، والإشارة في {ذلك هو الفوز العظيم} لتعظيم الفضل ببعد المرتبة، وأتي بضمير الفصل لتخصيص الفوز بالفضل المشار إليه وهو قصر لإفادة معنى الكمال كأنه لا فوز غيره...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}

أي: أن الجنة وما فيها من النعيم وقبل ذلك الوقاية من العذاب، كل هذا {فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ..} [الدخان: 57] أي: تفضُّلاً منه سبحانه علينا وتكرُّماً منه على خَلْقه ليس بأعمالهم.

وهذه المسألة موضع خلاف بين العلماء، لأن الحق سبحانه قال في آية أخرى: {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] وقال أيضاً: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

إذن: عندنا آيات تقول بفضل الله، وآيات تقول بالعمل، ولا بدَّ أنْ يتصيَّد خصوم الإسلام مثل هذه المسائل، ويحاولوا أنْ يُشكِّكوا في كلام رب العالمين، وأنْ يتهموه بالتناقض، تعالى اللهُ عن ذلك عُلواً كبيراً.

ولبيان هذه المسألة نقول: أنت حين تهتم بولدك وتنفق عليه وتعطيه دروساً ليتفوق، تفعل ذلك لصالحه أم لصالحك أنت؟ وحين يتفوَّق تأتي له بجائزة تحفزه على الاستمرار في النجاح. إذن: أنت كلفتَ نفسك بأشياء ونفقات لا تعودُ عليك، إنما تعود على ابنك.

كذلك الحق سبحانه وتعالى يتعامل مع خَلْقه، فالله خلقنا وخلق لنا مُقوِّمات حياتنا، ثم أعطانا المنهج وأثابنا عليه فانتفعنا بالاستقامة عليه في الدنيا وبالثواب عليه في الآخرة.

والحق سبحانه يفعل ذلك وهو الغنيُّ عنَّا، فله سبحانه كلُّ صفات الكمال قبل أنْ يخلق هذا الخَلْق، إذن: لا تنفعه طاعة، ولا تضرُّه معصية.

وإياك أنْ تظنَّ أنك بطاعتك لله وعبادتك له سبحانه أنك تسند عرشه جَلَّ وعلا أو تزيد في خلقه، فأنت المستفيد أولاً وأخيراً بمنهج الله، وشرفٌ أنْ تنتسبَ إلى هذا المنهج، وأنْ تكونَ عبداً لله تعالى.

لذلك ورد في الحديث القدسي:"يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قَلْب رجل واحد منكم ما نقصَ ذلك من ملكي شيئاً. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد من ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد وسألني كلُّ واحد مسألته فقضيتُها له ما نقصَ ذلك في ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخْيَطُ إذا أُدخِلَ البحر، ذلك أنِّي جواد ماجدٌ واجد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردتُه أنْ أقول له كُنْ فيكون".

إذن: التكليف الذي يأتينا من الله تعالى لا ينتفع الله منه بشيء، إنما يعود نفعه علينا، ولو أخذنا المسألة بالعقل لقُلْنا أنه كان علينا أنْ ندفع الثمن، فالثواب على الطاعة إذن محْضُ فضل من الله، بل مجرد التشريع والمنهج الذي كلَّفك الله به محض فضل منه سبحانه.

لذلك قال تعالى: {فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان: 57] الفوز العظيم أنني حين أسير على وفْق منهج الله أنتفع به في الدنيا وأُثاب عليه في الآخرة.

أما قوله سبحانه: {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] قالوا: يعني بسبب أعمالكم الصالحة، فالعمل الصالح ليس ثمناً للجنة ولكنه سببٌ لدخولها، وقد أوضح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المسألة حين قال: "لا يدخل أحدٌ منكم الجنةَ بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أنْ يتغمَّدني الله برحمته".

وفي ضوء هذا الحديث نفهم قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

أشارت آخر آية من هذه الآيات إلى جميع النعم السبعة، وكنتيجة لما مر تقول: (فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم). صحيح أنّ المتقين قد عملوا الكثير من الصالحات والحسنات، إلاّ أنّ من المسلّم أن تلك الأعمال جميعا لا تستحق كلّ هذه النعم الخالدة، بل هي فضل من الله سبحانه، إذ جعل كلّ هذه النعم والعطايا تحت تصرفهم ووهبهم إيّاها. هذا إضافة إلى أنّ هؤلاء لم يكونوا قادرين على كسب كلّ هذه الحسنات ولا على فعل الحسنات لو لم يشملهم فضل الله وتوفيقه ولطفه، فهو الذي منحهم العقل والعلم، وهو الذي أرسل الأنبياء والكتب السماوية، وهو الذي غمرهم بتوفيق الهداية والعمل. نعم، إنّ استغلال هذه المنح العظمى، والوصول إلى كلّ تلك العطايا والثواب، إنّما تمّ بفضله سبحانه إذ وهبهم إيّاها، ولم يكن هذا الفوز العظيم ليحصل إلاّ في ظل لطفه وكرمه.