مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكَۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (57)

ثم قال : { فضلا من ربك } يعني كل ما وصل إليه المتقون من الخلاص عن النار والفوز بالجنة فإنما يحصل بتفضل الله ، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن الثواب يحصل تفضلا من الله تعالى لا بطريق الاستحقاق لأنه تعالى لما عدد أقسام ثواب المتقين بين أنها بأسرها إنما حصلت على سبيل الفضل والإحسان من الله تعالى ، قال القاضي أكثر هذه الأشياء وإن كانوا قد استحقوه بعملهم فهو بفضل الله لأنه تعالى تفضل بالتكليف ، وغرضه منه أن يصيرهم إلى هذه المنزلة فهو كمن أعطى غيره مالا ليصل به إلى ملك ضيعة ، فإنه يقال في تلك الضيعة إنها من فضله ، قلنا مذهبك أن هذا الثواب حق لازم على الله ، وإنه تعالى لو أخل به لصار سفيها ولخرج به عن الإلهية فكيف يمكن وصف مثل هذا الشيء بأنه فضل من الله تعالى ؟

ثم قال تعالى : { ذلك هو الفوز العظيم } واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن التفضيل أعلى درجة من الثواب المستحق ، فإنه تعالى وصفه بكونه فضلا من الله ثم وصف الفضل من الله بكونه فوزا عظيما ، ويدل عليه أيضا أن الملك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ثم خلع على إنسان آخر فإن تلك الخلعة أعلى حالا من إعطاء تلك الأجرة .