التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (28)

ولما كان حب الأموال والأولاد والاشتغال بهم من أهم دواعى الاقدام على الخيانة ، نبه - سبحانه - إلى ذلك فقال : { واعلموا أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } .

أى : واعلموا - أيها المؤمنون - أنما أموالكم وأولادكم فتنة ، أي امتحان واختبار لكم من الله - تعالى - ليتبين قوى الإِيمان من ضعيفه .

أما قوى الإِيمان فلا يشغله ماله وولده عن طاعة الله ، وأما ضعيف الإِيمان فيشغله ذلك عن طاعة الله ويجعله يعيش حياته عبداً لأمواله ، ومطيعا لمطالب أولاده حتى ولو كانت هذه الطاعة متنافية مع تعاليم دينه وآدابه .

وقال صاحب المنار : الفتنة هى الاختبار والامتحان بما يشق على النفس فعله أو تركه ، أو قبوله أو إنكاره .

وأموال الإِنسان عليها مدار حياته ، وتحصيل رغائبه وشهواته ، ودفع كثير من المكاره عنه ، فهو يتكلف في طلبها المشاق ، ويكرب الصعاب ، ويكلفه الشرع يها التزام الحلال واجتناب الحرام ، ويرغبه في القصد والاعتدال في إنفاقها .

وأما الأولاد فحبهم - كما يقول الأستاذ الامام - ضرب من الجنون يلقيه الفاطر الحكيم في قلوب الأمهات والاباء ، فيحملهم على بذل كل ما يستطاع بذله في سبيلهم .

روى أبو ليلى من حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعا " الولد ثمرة القلب ، وإنه مجبنة مبخلة محزنة " . فحب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الآثام ، وعلى الجبن ، وعلى البخل ، وعلى الحزن .

فالواجب على المؤمن اتقاء خطر الفتنة الأولى يسكب المال من وجوهه الحلال ، وإنفاقه في وجوهه المشروعة . . واتقاء خطر الفتنة الثانية باتباع ما أوجبه الله على الآباء من حسن تربية الأولاد على الدين والفضائل ، وتجنبهم أسباب المعاصى والراذئل .

وقوله { وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } تذييل قصد به ترغيب المؤمنين في طاعة الله ، بعد أن حذرهم من فتنة المال والولد .

أى : واعلموا أن الله عند أجر عظيم لمن آثر طاعته ورضاه على جمع المال وحب الأولاد ، فكونوا - أيها المؤمنون - من حزب المؤثرين لحب الله على حب الأموال والأولاد لتنالوا السعادة في الدنيا والآخرة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (28)

وقوله تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ } أي : اختبار وامتحان منه لكم ؛ إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه{[12859]} فيها ، أو تشتغلون بها عنه ، وتعتاضون بها منه ؟ كما قال تعالى : { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ التغابن : 15 ] ، وقال : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ المنافقون : 9 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ } الآية [ التغابن : 14 ] .

وقوله : { وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } أي : ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد ، فإنه قد يوجد منهم عدو ، وأكثرهم لا يغني عنك شيئا ، والله ، سبحانه ، هو المتصرف المالك للدنيا والآخرة ، ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة .

وفي الأثر يقول [ الله ]{[12860]} تعالى : " ابن آدم ، اطلبني تَجدني ، فإن وَجَدْتَنِي وجَدْتَ كل شيء ، وإن فُتُّكَ فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء " .

وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أنه قال ]{[12861]} ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ{[12862]} أنقذه الله منه " {[12863]}

بل حب رسوله مقدم على الأولاد والأموال والنفوس ، كما ثبت في الصحيح أنه ، عليه السلام ، قال : " والذي نفسي بيده ، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين " {[12864]}


[12859]:في د، ك، م: "أتشكروه عليها وتطيعوه".
[12860]:زيادة من د، ك، م، أ.
[12861]:زيادة من أ.
[12862]:في د، ك، م، أ: "أن".
[12863]:رواه مسلم في صحيحه برقم (43) من حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه.
[12864]:صحيح البخاري برقم (14).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (28)

{ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } لأنهم سبب الوقوع في الإثم أو العقاب ، أو محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة . { وأن الله عنده أجر عظيم } لمن آثر رضا الله عليهم وراعى حدوده فيهم ، فأنيطوا هممكم بما يؤديكم إليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ} (28)

ابتداء جملة : { واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة } بفعل { اعلموا } للاهتمام كما تقدم آنفاً عند قوله : { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } [ الأنفال : 24 ] وقوله { واعلموا أن الله شديد العقاب } [ الأنفال : 25 ] وهذا تنبيه على الحذر من الخيانة التي يحمل عليها المرءَ حبُ المال وهي خيانة الغلول وغيرها ، فتقديم الأموال لأنها مظنة الحمل على الخيانة في هذا المقام .

وعطف الأولاد على الأموال لاستيفاء أقوى دواعي الخيانة ، فإن غرض جمهور الناس في جمع الأموال أن يتركوها لابنائهم من بعدهم ، وقد كثر قرن الأموال والأولاد في التحذير ، ونجده في القرآن ، قيل إن هاته الآية من جملة ما نزل في أبي لبابة .

وجيء في الإخبار عن كون الأموال والأولاد فتنة بطريق القصر قصراً ادعائياً لقصد المبالغة في إثبات أنهم فتنة .

وجُعل نفس « الأموال والأولاد » فتنة لكثرة حدوث فتنة المرء من جراء أحوالهما ، مبالغة في التحذير من تلك الأحوال وما ينشأ عنها ، فكأن وجود الأموال والأولاد نفس الفتنة .

وعطف قوله : { وأن الله عنده أجر عظيم } على قوله : { أنما أموالكم وأولادكم فتنة } للإشارة إلى أن ما عند الله من الأجر على كف النفس عن المنهيات هو خير من المنافع الحاصلة عن اقتحام المناهي لأجل الأموال والأولاد .