التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

ثم بين - سبحانه - ما أنزله بالقوم الظالمين فقال : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } .

و " كم " هنا خبرية مفيدة للتكثير ، وهى فى محل نصب على أنها مفعول مقدم " لقصمنا " .

وأصل القصم : كسر الشىء حتى ينقطع وينفصل عن غيره ، يقال : قصم فلان ظهر فلان ، إذا كسره حتى النهاية ، بخلاف الفصم فهو صدع الشىء من غير قطع وانفصال .

قال القرطبى : " والقصم : الكسر ، يقال : قصمت ظهر فلان ، وانقصمت سنه ، إذا انكسرت .

والمعنى ها هنا به الإهلاك . وأما الفصم - بالفاء - فهو الصدع فى الشىء من غير بينونة " .

أى : وكثيرا من القرى الظالمة التى تجاوز أهلها حدود الحق ، ومردوا على الكفر والضلال ، أبدناها مع أهلها ، وعذبناها عذابا نكرا ، بسبب ظلمهم وبغيهم ، وأنشأنا من بعدهم قوما آخرين ليسوا مثلهم .

وأوقع - سبحانه - فعل القصم على القرى ، للإشعار بأن الهلاك قد أصابها وأصاب أهلها معها . فالكل قد دمره - سبحانه - تدميراً .

أما عند الإنشاء فقد أوقع الفعل على القوم فقال : { وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ } للإيماء إلى أن هؤلاء القوم الآخرين ، الذين لم يكونوا أمثال السابقين ، هم الذين ينشئون القرى ويعمرونها .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

وقوله : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } هذه صيغة تكثير ، كما قال { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ } [ الإسراء : 17 ] .

وقال تعالى : { فَكَأَيِّنْ{[19599]} مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } [ الحج : 45 ] . وقوله : { وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ } أي : أمة أخرى بعدهم .


[19599]:- في ف : "وكأين".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

{ وكم قصمنا من قرية } واردة عن غضب عظيم لأن القصم كسر يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم . { كانت ظالمة } صفة لأهلها وصفت بها لما أقيمت مقامه . { وأنشأنا بعدها } بعد إهلاك أهلها { قوما آخرين } مكانهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

و { كم } للتكثير وهي في موضع نصب ب { قصمنا } ومعناه أهلكنا ، وأصل القصم الكسر في الأجرام فإذا استعير للقوم أو القرية ونحوه فهو ما يشبه الكسر وهو إهلاكهم وأوقع هذه الأمور على «القرية » والمراد أهلها وهذا مهيع كثير ، ومنه { ما آمنت قبلهم من قرية }{[8201]} [ الأنبياء : 6 ] وغيره وقوله تعالى : { وأنشأنا } أي خلقنا وبثثنا أُمة أُخرى غير المهلكة .


[8201]:من الآية (6) من هذه السورة (الأنبياء).