ثم قطع - سبحانه - عذر كل من يعرض عن هذا الكتاب فقال : { أَن تقولوا إِنَّمَآ أُنزِلَ الكتاب على طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } .
أى : أنزلنا هذا الكتاب لهدايتكم كراهة أن تقولوا يوم القيامة ، أو لئلا تقولوا لو لم ننزله : إنما أنزل الكتاب الناطق بالحجة على جماعتين كائنتين من قبلنا وهما اليهود والنصارى ، وإنا كنا عن تلاوة كتابهم لغافلين لا علم لنا بشىء منها لأنها ليست بلغتنا .
فقوله : { أَن تقولوا } مفعول لأجله والعامل فيه أنزلناه مقدراً مدلولا عليه بنفس أنزلناه الملفوظ به فى الآية السابقة أى : أنزلناه كراهية أن تقولوا .
وقيل إنه مفعول به والعامل فيه قوله فى الآية السابقة - أيضاً - { واتقوا . . . } أى . واتقوا قولكم كيت وكيت . وقوله { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } معترض جار مجرى التعليل .
والمراد بكتاب جنسه المنحصر فى التوراة والإنجيل والزبور .
وتخصيص الإنزال بكتابيهما لأنهما اللذان اشتهرا من بين الكتب السماوية بالاشتمال على الأحكام .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أن تقولوا}، يعني لئلا تقولوا: {إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا}، يعني اليهود والنصارى، {وإن كنا عن دراستهم لغافلين}، وذلك أن كفار مكة قالوا: قاتل الله اليهود والنصارى، كيف كذبوا أنبياءهم، فوالله لو جاءنا نذير وكتاب لكنا أهدى منهم، فنزلت هذه الآية فيهم: {أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
... معنى الكلام: وهذا كتاب أنزلناه مبارك لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا. فأما الطائفتان اللتان ذكرهما الله، وأخبر أنه إنما أنزل كتابه على نبيه محمد، لئلا يقول المشركون: لم ينزل علينا كتاب فنتبعه، ولم نؤمر ولم ننه، فليس علينا حجة فيما نأتي ونذر، إذ لم يأت من الله كتاب ولا رسول، وإنما الحجة على الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا، فإنهما اليهود والنصارى...
وأما "وَإنْ كُنّا عَنْ دِرَاستِهِمْ لغَافِلِينَ "فإنه يعني: أن تقولوا: وقد كنا عن تلاوة الطائفتين الكتاب الذي أنزلت عليهم غافلين، لا ندري ما هي، ولا نعلم ما يقرأون وما يقولون وما أنزل إليهم في كتابهم، لأنهم كانوا أهله دوننا، ولم نعن به، ولم نؤمر بما فيه، ولا هو بلساننا، فيتخذوا ذلك حجة. فقطع الله بإنزاله القرآن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حجتهم تلك...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أزاح كلَّ عِلَة، وأبدى كل وصلة، فلم يُبْقِ لك تعللا، ولا في آثار الالتجاء إلى العذر موضعاً...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{أَن تَقُولُواْ}: كراهة أن تقولوا...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... معنى هذه الآية: إزالة الحجة عن أيدي قريش وسائر العرب بأنهم لم يكن لهم كتاب، فكأنه قال: وهذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجة عليكم لئلا تقولوا إنما أنزلت التوراة والإنجيل بغير لساننا على غيرنا، ونحن لم نعرف ذلك، فهذا كتاب بلسانكم ومع رجل منكم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد بطلت حجتكم، وسقطت معذرتكم، بتنزيل هذا الكتاب المبارك إليكم، تفصيلاً لكل شيء. بحيث لا تحتاجون إلى مرجع آخر وراءه؛ وبحيث لا يبقى جانب من جوانب الحياة لم يتناوله فتحتاجون أن تشرعوا له من عند أنفسكم...
ولماذا أنزل الحق هذا الكتاب؟. يأتي الحق هنا بالتمييز للأمة التي أراد لها أن ينزل فيها القرآن فيقول:
{أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156)}:
فالكتاب يصفي العقائد السابقة التي نزلت على الطائفتين من اليهود والنصارى، وإذا كنتم قد غفلتم عن دراسة التوراة والإنجيل؛ لأنكم أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة؛ لذلك أنزلنا إليكم الكتاب الكامل مخافة أن تصطادوا عذرا وتقولوا: إن أميتنا منعتنا من دراسة الكتاب الذي أنزل على طائفتين من قبلنا من اليهود والنصارى. وكأن الله أنزل ذلك الكتاب قطعا لاعتذارهم.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.