قوله : " أن تَقُولُوا " فيه وجهان :
أحدهما : أنه مَفْعُول من أجله .
قول أبو حيَّان{[15612]} : " والعَامِلُ فيه " أنْزَلْنَاهُ " مقدّراً ، مَدْلُولاً عليه بنَفْس " أنْزَلْنَاهُ " المَلْفُوظِ به ، تقديرُه : أنْزَلْنَاه أن تقولوا " .
قال : " ولا جائز أن يعمل فيه " أنْزَلْنَاهُ " الملفوظ به ؛ لئلا يلزم الفصل بين العَامِل ومَعْمُولهِ بأجْنَبِيّ ، وذلك أنَّ " مُباركٌ " : إمَّا صِفَةٌ ، وإما خبرٌ ، وهو أجنبيُّ بكل من التقديرين " . وهذا الذي منَعَه هو ظَاهِرُ قول الكسائيّ ، والفرَّاء{[15613]} .
والثاني : أنَّها مَفْعُول به ، والعاملُ فيه : " واتَّقُوا " أي : واتَّقُوا قولكم كَيْتَ وكَيْتَ ، وقوله : " لَعَلُّكم تُرْحَمُون " معترضٌ جارٍ مُجْرى التَّعْلِيل ، وعلى كَوْنِه مَفْعُولاً من أجْلِه ، يكون تقديره عند البصريِّين على حَذْفِ مُضَافٍ ، تقديرُه : كراهة أن تَقُولُوا ، وعند الكوفيِّين يكون تقديره : " ألاَّ يَقُولُوا " .
قال الكسائيُّ{[15614]} : والفرَّاء : والتقدير : أنزَلْنَاهُ لئلا تَقُولُوا ، ثم حذف الجارِّ ، وحَرْف النَّهْي ، كقوله -تبارك وتعالى- : { يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] ، وكقوله : { رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [ النحل : 15 ] ، أي : ألاَّ تَمِيد بِكُم ، وهذا مُطَّرِد عنْدَهُم في هذا النَّحْو ، وقد تقدَّم ذلك مراراً .
وقرا الجمهور : " تَقُولُوا " بتاء الخطاب ، وقرأ{[15615]} ابن مُحَيْصِن : " يَقُولوا " : بياء الغَيْبَة ، ومعنى الآية الكريمة ، كراهة أن يقول أهْلُ مكَّة : أنزل الكتاب ، وهو التُّوْراة ، والإنْجِيل على طَائِفَتَيْن من قَبْلِنَا ، وهُمْ اليَهُود والنَّصَارى .
قوله : " وَإنْ كُنَّا " [ " إنْ " ] مُخَفَّفَة من الثِّقِيلة عند البَصْريِّين ، وهي هُنَا مُهْمَلة ؛ ولذلك وَلِيتها الجُمْلة الفِعْليَّة ، وقد تقدَّم تحقيق ذلك ، وأنَّ الكوفيِّين يَجْعَلُونها بمعنى : " ما " النَّافية ، واللام بمعنى : " إلاَّ " ، والتقدير : ما كُنَّا عن دِرَاسَتِهم إلاَّ غافِلِين .
وقال الزَّجَّاج{[15616]} بِمْثِل ذلك ، فَنَحا نحو الكوفيِّين .
وقال قُطْرُب : " إنْ " بمعنى " قَدْ " واللاَّم زَائِدة .
وقال الزَّمَخْشَري{[15617]} بعد أن قَرَّر مذهب البصريين كما قدَّمنا : " والأصْل : إنه كُنَّا عن عِبَادَتِهِم " فقدّر لها اسْماً مَحْذُوفاً ، هو ضمير الشَّأن ، كما يُقَدِّر النَّحْويُّون ذلك في " أنْ " بالفَتْح إذا خُفِّفَت ، وهذا مخالفٌ لِنُصُوصِهِم ، وذلك أنَّهم نَصُّوا على أنَّ : " إنْ " بالكَسْر إذا خُفِّفَت ، ولِيَتْهَا الجُمْلَةُ الفعليةُ النَّاسِخة ، فلا عَمَل لها ، لا في ظاهرٍ ولا مُضْمرٍ .
و " عَنْ دِرَاسَتِهِم " متعلِّق بخبر " كُنَّا " وهو : " غافلين " ، وفيه دلالة على بُطلان مذهب الكوفيين في زعمهم أن اللام بمعنى : " إلاَّ " ولا يَجُوز أن يَعْمَل ما بعد " إلاَّ " فيما قَبْلَها ؛ فكذلك ما هو بِمَعْنَاها .
قال أبو حيَّان{[15618]} : " ولَهُم أن يَجْعَلُوا " عَنْها " متعلِّقاً بمحذوف " وتقدَّم أيضاً خلاف أبي عليِّ ، في أنَّ هذه اللاَّم لَيْسَت لام الابتِدَاء ، بل لامٌ أخْرَى ، ويدلُّ أيضاً على أن اللاَّم لام ابتداء لَزِمتِ للفَرْق ، فجَازَ أن يتقدَّم مَعْمُولُها عليها ، لمّا وقعت في غَيْر ما هُو لَهَا أصل ، كما جاز ذلك في : " إنَّ زيداً طعامك لآكِلٌ " حَيْث وقعت في غير ما هُوَ لَهَا [ أصلٌ ]{[15619]} ولمْ يَجُزْ ذلك فيهَا إذا وقعت فيما هُوَ لَهَا أصْلٌ ، وهو دُخُولها على المُبْتَدأ .
وقال أبُو البقاءِ{[15620]} واللاَّم في " لغَافِلِين " : عِوض أو فَارِقَة بَيْن " إنْ " و " ما " .
قال شهاب الدين{[15621]} : قوله : " عِوَض " عبارة غَريبَةٌ ، وأكثر ما يُقَال : إنها عِوَضٌ عن التَّشْديد الَّذِي ذَهَبَ من " إنْ " ولَيْس بِشَيء .
قال المفَسِّرُون : " إنْ " هي المُخَفَّفَة من الثّقِيلة ، واللاَّم هي الفَارِقَةُ بَيْنَهُمَا وبين النَّافيَة ، والأصْل : وإن كُنَّا عن دِرَاستِهِم غَافلين ، والمعنى : إثْبَات الحُجُّة عليهم بإنْزَال القُرْآن عَلَيْهم ، وقوله : { وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } أي : لا نَعْلَم مَا هِيَ ، لأن كِتَابَهُم لَيْس بِلُغَتِنَا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.