مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَن تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلۡكِتَٰبُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيۡنِ مِن قَبۡلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمۡ لَغَٰفِلِينَ} (156)

ثم قال تعالى : { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } وفيه وجوه :

الوجه الأول : قال الكسائي والفراء ، والتقدير : أنزلناه لئلا تقولوا ، ثم حذف الجار وحرف النفي ، كقوله : { يبين الله لكم أن تضلوا } وقوله : { رواسي أن تميد بكم } أي لئلا .

والوجه الثاني : وهو قول البصريين معناه : أنزلناه كراهة أن تقولوا ولا يجيزون أضمار «لا » فإنه لا يجوز أن يقال : جئت أن أكرمك بمعنى : أن لا أكرمك ، وقد ذكرنا تحقيق هذه المسألة في آخر سورة النساء .

والوجه الثالث : قال الفراء : يجوز أن يكون «أن » متعلقة باتقوا ، والتأويل : واتقوا أن تقولوا إنما أنزل الكتاب .

البحث الثاني :

قوله : { أن تقولوا } خطاب لأهل مكة ، والمعنى : كراهة أن يقول أهل مكة أنزل الكتاب ، وهو التوراة والإنجيل على طائفتين من قبلنا ، وهم اليهود والنصارى ، وإن كنا «إن » هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية ، والأصل وأنه كنا عن دراستهم لغافلين ، والمراد بهذه الآيات إثبات الحجة عليهم بإنزال القرآن على محمد كي لا يقولوا يوم القيامة إن التوراة والإنجيل أنزلا على طائفتين من قبلنا وكنا غافلين عما فيهما ، فقطع الله عذرهم بإنزال القرآن عليهم وقوله : { وإن كنا عن دراستهم لغافلين } أي لا نعلم ما هي ، لأن كتابهم ما كان بلغتنا .