وقد رد الله - تعالى - عليهم بما يبطل دعاواهم فقال : { سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر } والتعريف فى { الجمع } لعهد ، والدبر : الظهر وما أدبر من المتجه إلى الأمام .
أى : سيهزم جمع هؤلاء الكافرين ويولون أدبارهم نحوكم - أيها المؤمنون - ويفرون من أمامكم .
والتعبير بالسين لتأكيد أمر هزيمتهم فى المستقبل القريب ، كما فى قوله - تعالى - : { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المهاد } والآية الكريمة من باب الإخبار بالغيب ، الدال على إعجاز القرآن الكريم .
قال الآلوسى : والآية من دلائل النبوة ، لأن الآية مكية ، وقد نزلت حيث لم يفرض جهاد ، ولا كان قتال ، ولذا قال عمر يوم نزلت : أى جمع يهزم ، أى : من جموع الكفار . فلما كان يوم بدر ، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثبت فى الدرع وهو يقول { سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر } فعرفت تأويلها يومئذ .
وذلك حين يرون جمعهم فتعجبهم قوتهم ، ويغترون بتجمعهم ، فيقولون : إنا منتصرون لا هازم لنا ولا غالب ?
هنا يعلنها عليهم مدوية قاضية حاسمة :
( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) . .
فلا يعصمهم تجمعهم ، ولا تنصرهم قوتهم . والذي يعلنها عليهم هو القهار الجبار . . ولقد كان ذلك . كما لا بد أن يكون !
قال البخاري بإسناده إلى ابن عباس - : إن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال وهو في قبة له يوم بدر : " أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبدا " . فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده ، وقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك ! فخرج وهو يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر . . . ) .
وفي رواية لابن أبي حاتم بإسناده إلى عكرمة ، قال : لما نزلت( سيهزم الجمع ويولون الدبر )قال عمر : أي جمع يهزم ? أي أي جمع يغلب ? قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) . فعرفت تأويلها يومئذ !
هذه عدة من الله تعالى لرسوله أن جمع قريش سيهزم نصرة له ، والجمهور على أن الآية مكية ، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : كنت أقول في نفسي أي جمع يهزم ؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت في الدرع ويقول { سيهزم الجمع ويولون الدبر } .
قال القاضي أبو محمد : فإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر مستشهداً بالآية . وقال قوم : إن الآية نزلت يوم بدر .
وقال أبو حاتم : وقرأ بعض القراء : «سيَهزِم » بفتح الياء وكسر الزاي «الجمعَ » نصباً ، قال أبو عمرو الداني قرأ أبو حيوة : «سنهزِم » بالنون وكسر الزاي «الجمعَ » نصباً . «وتولون » بالتاء من فوق ، ثم تركت هذه الأقوال ، وأضرب عنها تهمماً بأمر الساعة التي عذابها أشد عليهم من كل هزيمة وقتل فقال : { بل الساعة موعدهم } .
فقوله : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } جواب عن قولهم : { نحن جميع منتصر } فلذلك لم تعطف الجملة على التي قبلها . وهذا بشارة لرسوله صلى الله عليه وسلم بذلك وهو يعلم أن الله منجز وعده ولا يَزيد ذلك الكافرين إلا غروراً فلا يعيروه جانب اهتمامهم وأخذ العدة لمقاومته كما قال تعالى في نحو ذلك : { ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً } [ الأنفال : 44 ] .
والتعريف في { الجمع } للعهد ، أي الجمع المعهود من قوله : { نحن جميع منتصر } والمعنى : سيهزم جمعهم . وهذا معنى قول النحاة : اللام عوض عن المضاف إليه .
والهزم : الغلب ، والسين لتقريب المستقبل ، كقوله : { قل للذين كفروا ستغلبون } [ آل عمران : 12 ] . وبني الفعل للمجهول لظهور أن الهازم المسلمون .
و { يولُّون } : يجعلون غيرهم يلي ، فهو يتعدى بالتضعيف إلى مفعولين ، وقد حذف مفعوله الأول هنا للاستغناء عنه إذ الغرض الإِخبار عنهم بأنهم إذا جاء الوغى يفرون ويولُّونكم الأدبار .
و { الدُّبُر } : الظهر ، وهو ما أدبر ، أي كان وراءً ، وعكسه القبل .
والآية : إخبار بالغيب ، فإن المشركين هُزموا يوم بدر ، وولوا الأدبار يومئذٍ ، وولوا الأدبار في جمع آخر وهو جمع الأحزاب في غزوة الخندق ففرُّوا بليل كما مضى في سورة الأحزاب وقد ثبت في « الصحيح » أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج لصف القتال يوم بدر تلا هذه الآية قبل القتال ، إيماء إلى تحقيق وعد الله بعذابهم في الدنيا .
وأفرد الدبر ، والمراد الجمعُ لأنه جنس يصدق بالمتعدد ، أي يولي كل أحد منهم دبره ، وذلك لرعاية الفاصلة ومزاوجة القرائن ، على أن انهزام الجمع انهزامة واحدة ولذلك الجيش جهة تولَ واحدة . وهذا الهزم وقع يوم بدر .
روي عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قال : " لما نَزلت { سيهزم الجمع ويولون الدبر } جَعَلْتُ أقول : أيُّ جمع يهزم ؟ فلما كان يومُ بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ، ويقول : { سيهزم الجمع ويولون الدبر } " اه ، أي لم يتبين له المراد بالجمع الذي سيُهزم ويولِّي الدبر فإنه لم يكن يومئذٍ قتال ولا كان يخطر لهم ببال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.