التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعۡجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَن نُّعۡجِزَهُۥ هَرَبٗا} (12)

ثم حكى - سبحانه - ما قالوه بشأن عجزهم المطلق أمام قدرة خالقهم فقال : { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأرض وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } .

والظن هنا بمعنى العلم واليقين . وقوله : { نُّعْجِزَهُ } من الإِعجاز ، وهو جعل الغير عاجزا عن الحصول على ما يريد . وقوله { فِي الأرض } و { هَرَباً } فى موضع الحال .

أى : وأننا قد علمنا وتيقنا بعد إيماننا وبعد سماعنا للقرآن . . أننا فى قبضة الله - تعالى - وتحت قدرته ، ولن نستطيع الهرب من قضائه سواء أكنا فى الأرض أم فى غيرها .

فقوله : { فِي الأرض } إشارة إلى عدم قدرتهم على النجاة من قضائه - تعالى - مهما حاولوا اللجوء إلى أية بقعة من بقاعها ، ففى أى بقعة منها يكونون ، يدركهم قضاؤه وقدره .

وقوله : { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } إشارة إلى أن هربهم إلى السماء لا إلى الأرض ، لن ينجيهم مما يريده - سبحانه - بهم .

فالمقصود بالآية الكريمة : إظهار عجزهم المطلق أمام قدرة الله - تعالى - وعدم تمكنهم من الهرب من قضائه ، سواء ألجأوا إلى الأرض ، أم إلى السماء .

وشبيه بهذه الآية الكريمة قوله - تعالى - : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعۡجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَن نُّعۡجِزَهُۥ هَرَبٗا} (12)

ثم بين النفر معتقدهم الخاص بعد إيمانهم :

( وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ، ولن نعجزه هربا ) . .

فهم يعرفون قدرة الله عليهم في الأرض ، ويعرفون عجزهم عن الهرب من سلطانه - سبحانه - والإفلات من قبضته ، والفكاك من قدره . فلا هم يعجزون الله وهم في الأرض ، ولا هم يعجزونه بالهرب منها . وهو ضعف العبد أمام الرب ، وضعف المخلوق أمام الخالق . والشعور بسلطان الله القاهر الغالب .

وهؤلاء الجن هم الذين يعوذ بهم رجال من الإنس ! وهم الذين يستعين بهم الإنس في الحوائج ! وهم الذين جعل المشركون بين الله - سبحانه - وبينهم نسبا ! وهؤلاء هم يعترفون بعجزهم وقدرة الله . وضعفهم وقوة الله ، وانكسارهم وقهر الله ، فيصححون ، لا لقومهم فحسب بل للمشركين كذلك ، حقيقة القوة الواحدة الغالبة على هذا الكون ومن فيه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعۡجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَن نُّعۡجِزَهُۥ هَرَبٗا} (12)

وأنا ظننا علمنا أن لن نعجز الله في الأرض كائنين في الأرض أينما كنا فيها ولن نعجزه هربا هاربين منها إلى السماء أو لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمرا ولن نعجزه هربا إلى طلبنا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعۡجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَن نُّعۡجِزَهُۥ هَرَبٗا} (12)

قرأ الجمهور وأبو جعفر بكسر همزة { وإنا } . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وخلف بفتحها عطفاً على المجرور في قوله : { فآمنا به } [ الجن : 2 ] . والتقدير : وءامنا بأن لن نعجز الله في الأرض . وذكر فعل { ظننا } تأكيد لفظي لفعل « آمنا » المقدر بحرف العطف ، لأن الإِيمان يقين وأُطلق الظن هنا على اليقين وهو إطلاق كثير .

لما كان شأن الصلاح أن يكون مرضياً عند الله تعالى وشأن ضده بعكس ذلك كما قال تعالى : { والله لا يحب الفساد } [ البقرة : 205 ] أعقبوا لتعريض الإِقلاع عن ضد الصلاح بما يقتضي أن الله قد أعد لغير الصالحين عقاباً فأيقنوا أن عقاب الله لا يُفْلِت منه أحدٌ استحقه . وقدموه على الأمر بالإِيمان الذي في قوله : { وإنّا لمّا سمعنا الهُدى } [ الجن : 13 ] الآية ، لأن دَرْءَ المفاسد مقدم على جلب المصالح والتخلية مقدمة على التحْلية ، وقد استفادوا علم ذلك مما سمعوا من القرآن ولم يكونوا يعلمون ذلك من قبل إذ لم يكونوا مخاطبين بتعليم في أصول العقائد ، فلما ألهمهم الله لاستماع القرآن وعلموا أصول العقائد حذروا إخوانهم اعتقادَ الشرك ووصفَ الله بما لا يليق به لأن الاعتقاد الباطل لا يقره الإِدراك المستقيم بعد تنبيهه لبطلانه ، وقد جعل الله هذا النفر من الجن نذيراً لإِخوانهم ومرشداً إلى الحق الذي أرشدهم إليه القرآن ، وهذا لا يقتضي أن الجن مكلفون بشرائع الإِسلام .

وأما قوله تعالى : { ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإِنس لهم قلوب لا يفقهون بها } [ الأعراف : 179 ] الآية فقد أشار إلى أن عقابهم على الكفر والإِشراك ، أو أريد بالجن الشياطين فإن الشياطين من جنس الجن .

والإِعجاز : جعل الغير عاجزاً أي غير قادر عن أمر بذكر مع ما يدل على العجز وهو هنا كناية عن الإِفلات والنجاة كقول إياس بن قبيصة الطائي :

ألم تر أن الأرض رحْب فسيحة *** فهل تُعْجِزَنِّي بُقعة من بِقاعها

أي لا تفوتني ولا تخرج عن مُكْنتي .

وذِكْر { في الأرض } يؤذن بأن المراد بالهرب في قوله : { ولن نعجزه هرباً } الهربُ من الرجم بالشهب ، أي لا تطمعوا أن تسترقوا السمع فإن رجم الشهب في السماء لا يخطئكم ، فابتدأوا الإِنذار من عذاب الدنيا استنزالاً لقومهم .

ويجوز أن يكون { نعجز } الأول بمعنى مغالب كقوله تعالى : { فما هم بمعجزين } [ النحل : 46 ] أي لا يغلبون قدرتنا ، ويكون { في الأرض } مقصوداً به تعميم الأمكنة كقوله تعالى : { وما أنتم بمعجزين في الأرض } [ الشورى : 31 ] ، أي في مكان كنتم . والمراد : أنا لا نَغلب الله بالقوة . ويكون { نعجز } الثاني ، بمعنى الإِفلات ولذلك بُيّن ب { هرباً } ، والهرب مجاز في الانفلات مما أراد الله إلحاقه بهم من الرجم والاحتراق .

والظن هنا مستعمل في اليقين بقرينة تأكيد المظنون بحرف { لن } الدال على تأبيد النفي وتأكيده .