التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَبِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ} (81)

ثم تتحدث السورة فى أواخرها . بأسلوب مؤثر ، عن لحظات الموت . وعن اللحظات التى يفارق الإنسان فيها هذه الحياة ، وأحباؤه من حوله لا يملكون له نفعا . . . وعن بيان الحالة التى يكون عليها هذا المفارق لهم ، فتقول : { أفبهذا الحديث . . . } .

الاستفهام فى قوله - تعالى - : { أفبهذا الحديث أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } للإنكار والتوبيخ . وهو داخل على مقدر .

والمراد بالحديث : القرآن الكريم ، وما تضمنه من هدايات وإرشادات وتشريعات . .

وقوله : { مُّدْهِنُونَ } من الإدهان وأصله جعل الجلد ونحوه مدهونا بشىء من الدهن ليلين ، ثم صار حقيقة عرفية فى الملاينة والمسايرة والمداراة ومنه قوله - تعالى - : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } والمراد به هنا : تظاهر المشركين بمهادنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به من قرآن كريم ، وإبداؤهم من اللين خلاف ما يبطنون من المكر والبغضاء .

ويصح أن يكون الإدهان هنا : بمعنى التكذيب والنفاق ، إذ أن هذه المعانى - أيضا - تتولد عن المداهنة والمسايرة .

أى : أتعرضون - أيها المشركون - عن الحق الذى جاءكم به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - فتظهرون أمامه بمظهر المداهن والمهادن ، الذى يلين أمام خصمه ، ولا يقابله بالشدة والحزم : مع أنه فى الوقت نفسه يضمر له أشد أنواع السوء والكراهية ؟

إذا كان هذا شأنكم ، فاعلموا أن تصرفكم هذا لا يخفى علينا ؟ !

وقوله - سبحانه - وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون معطوف على ما قبله من باب عطف الجملة على الجملة . والكلام على حذف مضاف .

والمعنى : أتعرضون عن هذا القرآن على سبل المداهنة والملاينة ، وتجعلون شكر نعمة رزقنا لكم به . وبالمطر الذى لا حياة لكم بدونه ، أنكم تكذبون بكونهما من عند الله - تعالى فتقولون فى شأن القرآن ، أساطير الأولين ، وتقولون إذا ما أنزلنا المطر عليكم : مطرنا بسبب نوء كذا . أى : بسبب سقوط النجم فى جهة المغرب من الفجر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَفَبِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ} (81)

57

ثم يأتي الإيقاع الأخير في السورة . . لحظة الموت . . اللمسة التي ترجف لها الأوصال . واللحظة التي تنهي كل جدال . واللحظة التي يقف فيها الحي بين نهاية طريق وبداية طريق . حيث لا يملك الرجوع ولا يملك النكوص :

( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ? وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون . فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون . ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون . فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين ) . .

أفأنتم شاكون في هذا الحديث الذي يقال لكم عن النشأة الآخرة ؛ مكذبون بالقرآن وما يقصه عليكم من شأن الآخرة ، وما يقرره لكم من أمور العقيدة ?

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَبِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ} (81)

أفبهذا الحديث يعني القرآن أنتم مدهنون متهاونون به كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَبِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ} (81)

وقوله عز وجل : { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } مخاطبة للكفار ، و { الحديث } المشار إليه هو القرآن المتضمن البعث ، وإن الله تعالى خالق الكل وإن ابن آدم مصرف بقدره وقضائه وغير ذلك و : { مدهنون } معناه : يلاين بعضكم بعضاً ويتبعه في الكفر ، مأخوذ من الدهن للينه وإملاسه . وقال أبو قيس بن الأسلت :

الحزم والقوة خير من ال *** إدهان والفهة والهاع{[10936]}

وقال ابن عباس : هو المهاودة فيما لا يحل . والمداراة هي المهاودة فيما يحل ، وقال ابن عباس : { مدهنون } مكذبون .


[10936]:الحزم: ضبط الرأي وإتقانه، والإدهان والمداهنة: المصانعة واللين، ويقومان على الغش والنفاق وإظهار خلاف ما في الضمير، والكذب فيه كل ذلك، وهذا هو موضع الاستشهاد هنا، والفهّة: العِي والعجز عن الإنابة، وقيل: معناها السقطة، قال أبو عبيدة ابن الجراح لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حين قال له يوم السقيفة: ابسط يدك أبايعك: فقال أبو عبيدة: ما رأيت منك فهة في الإسلام قبلها، أتبايعني وفيكم الصديق ثاني اثنين؟ والهاع: سوء الحرص مع الضعف، والبيت في اللسان-هيع-، وفي (جمهرة أشعار العرب)، والرواية فيهما: الكيس والقوة خير من الـ إشفاق والفهة والهاع وعلى هذا فلا شاهد فيه. والبيت في الأصمعية(75)، والرواية فيهما:(خير من الإدهان والفكة)-بالكاف- ومعناها: الضعف، وهو أيضا في (البيان والتبيين) وفي (الحيوان)، وفي (السمط).