التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} (63)

وقوله : { الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } استئناف مسوق لتوضيح حقيقتهم فكأن سائلا قال : ومن هم أولياء الله ؟ فكان الجواب هم الذين توفر فيهم الإِيمان الصادق ، والبعد التام عن كل ما نهى الله - تعالى - عنه .

وعبر عن إيمانهم بالفعل الماضي ، للإِشارة إلى أنه إيمان ثابت راسخ . لا تزلزله الشكوك ، ولا تؤثر فيه الشبهات .

وعبر عن تقواهم بالفعل الدال على الحال والاستقبال للإِيذان بأن اتقاءهم وابتعادهم عن كل ما يغضب الله من الأقوال والأفعال ، يتجدد ويستمر دون أن يصرفهم عن تقواهم وخوفهم منه - سبحانه - ترغيب وترهيب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} (63)

26

( الذين آمنوا وكانوا يتقون ) . .

كيف يخافون وكيف يحزنون ، وهم على اتصال بالله لأنهم أولياؤه ?

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} (63)

يخبر تعالى أن أولياءه هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ، كما فسرهم{[14293]} ربهم ، فكل من كان تقيا كان لله وليا : أنه { لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [ أي ]{[14294]} فيما يستقبلون من أهوال القيامة ، { وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما وراءهم في الدنيا .

وقال عبد الله بن مسعود ، وابن عباس ، وغير واحد من السلف : أولياء الله الذين إذا رءوا ذُكِر الله .

وقد ورد هذا في حديث مرفوع كما قال البزار :

حدثنا علي بن حَرْب الرازي ، حدثنا محمد بن سعيد بن سابق ، حدثنا يعقوب بن عبد الله الأشعري - وهو القمي - عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رجل : يا رسول الله ، مَنْ أولياء الله ؟ قال : " الذين إذا رءُوا ذُكر الله " . ثم قال البزار : وقد روي عن سعيد مرسلا{[14295]} . وقال ابن جرير : حدثنا أبو هشام الرِّفاعي ، حدثنا ابن فضيل{[14296]} حدثنا أبي ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير البَجَلي ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله عبادا يغبطهم{[14297]} الأنبياء والشهداء " . قيل : من هم يا رسول الله ؟ لعلنا نحبهم . قال : " هم قوم تحابوا{[14298]} في الله من غير أموال ولا أنساب ، وجوههم نور على منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس " . ثم قرأ : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }{[14299]} ثم رواه أيضا أبو داود ، من حديث جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله{[14300]} .

وهذا أيضا إسناد جيد ، إلا أنه منقطع بين أبي زرعة وعمر بن الخطاب ، والله أعلم .

وفي حديث الإمام أحمد ، عن أبي النضر ، عن عبد الحميد بن بَهْرَام ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن عبد الرحمن بن غَنْم ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل{[14301]} بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله ، وتصافوا في الله ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور ، فيجلسهم عليها ، يفزع الناس ولا يفزعون ، وهم أولياء الله ، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " . والحديث متطول . {[14302]}-{[14303]}


[14293]:- في ت ، أ : "فسر بهم".
[14294]:- زيادة من ت.
[14295]:- مسند البزار برقم (3626) "كشف الأستار". والمرسل رواه الطبري في تفسيره (15/119) من طريق أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مرسلا.
[14296]:- في جميع النسخ "أبو فضيل" ، وكذا وقع في مخطوطة الطبري وصوبه المعلق.
[14297]:- في ت : "يعطيهم".
[14298]:- في أ : "تحابون".
[14299]:- تفسير الطبري (15/20) ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (11236) عن واصل بن عبد الأعلى عن محمد بن فضيل عن أبيه وعمارة بن القعقاع - هكذا مقرونا - كلاهما عن أبي زرعة عن أبي هريرة به نحوه ، ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (2508) من طريق عبد الرحمن بن صالح عن ابن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة به.
[14300]:- تفسير الطبري (15/121) وسنن أبي داود برقم (3527).
[14301]:- في ت : "يتصل".
[14302]:- في ت ، أ : "يطول".
[14303]:- المسند (5/343).

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} (63)

وأياً ما كان فهذا الخبر يفيد أن يعرف السامع كنه معنى أولياء الله اعتناء بهم على نحو ما قيل في قول أوس بن حجر :

الألْمعِي الذي يظن بك الظَّنَّ *** كأنْ قد رأى وقد سَمعا

ودل قوله : { وكانوا يتقون } على أن التقوى ملازمة لهم أخذاً من صيغة { كانوا } وأنها متجددة منهم أخذاً من صيغة المضارع في قوله : { يتقون } . وقد كنت أقول في المذاكرات منذ سنين خَلَتْ في أيام الطلب أن هذه الآية هي أقوى ما يُعتمد عليه في تفسير حقيقة الولي شرعاً وأن على حقيقتها يحمل معنى قوله في الحديث القدسي الذي رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : من عادَى لي ولياً فقد آذنته بحرب " .