التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (98)

فكان رد أبيهم عليهم أن قال لهم : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ربي } أى : سوف أتضرع إلى ربى لكى يغفر لكم ذنوبكم .

{ إِنَّهُ } - سبحانه - { هُوَ الغفور } أى الكثير المغفرة { الرحيم } أى : الكثير الرحمة لمن شاء أن يغفر له ويرحمه من عباده .

وهكذا صورت لنا السورة الكريمة ما دار بين يوسف وإخوته ، وبين يعقوب وبنيه في هذا اللقاء المثير الحافل بالمفاجآت والبشارات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (98)

ونلمح هنا أن في قلب يعقوب شيء من بنيه ، وأنه لم يصف لهم بعد ، وإن كان يعدهم باستغفار الله لهم بعد أن يصفو ويسكن ويستريح :

( قال : سوف استغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ) .

وحكاية عبارته بكلمة( سوف )لا تخلو من إشارة إلى قلب إنساني مكلوم . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (98)

قال ابن عباس والضحاك : { الْبَشِيرُ } البريد .

وقال مجاهد والسدي : كان يهوذا بن يعقوب .

قال السدي : إنما جاء به لأنه هو الذي جاء بالقميص وهو ملطخ بدم كَذب ، فأراد{[15290]} أن يغسل ذلك بهذا ، فجاء بالقميص فألقاه على وجه أبيه ، فرجع بصيرا .

وقال لبنيه عند ذلك : { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } أي : أعلم أن الله سيرده إليَّ ، وقلت لكم : { إِنِّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ } ؟ . فعند ذلك قالوا لأبيهم مترفقين له : { يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } أي : من تاب إليه تاب عليه .

قال ابن مسعود ، وإبراهيم التَّيْمِيّ ، وعمرو بن قيس ، وابن جُرَيْج وغيرهم : أرجأهم إلى وقت السَّحَر .

وقال ابن جرير : حدثني أبو السائب ، حدثنا ابن إدريس ، سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال : كان عمر ، رضي الله عنه ، يأتي المسجد فيسمع{[15291]} إنسانا يقول : " اللهم دعوتني فأجبت ، وأمرتني فأطعت ، وهذا السَّحَرُ فاغفر لي " . قال : فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود . فسأل عبد الله عن ذلك فقال : إن يعقوب أخَّر بنيه إلى السحر بقوله : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } {[15292]}

وقد ورد في الحديث أن ذلك كان ليلة جمعة ، كما قال ابن جرير : أيضا : حدثني المثنى ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو{[15293]} أيوب الدمشقي ، حدثنا الوليد ، أنبأنا ابن جُرَيْج ، عن عطاء وعِكْرِمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } يقول : حتى تأتي ليلة الجمعة ، وهو قول أخي يعقوب لبنيه{[15294]} .

وهذا غريب من هذا الوجه ، وفي رفعه نظر ، والله أعلم .


[15290]:- في ت ، أ : "فأحب".
[15291]:- في أ : "فسمع".
[15292]:- تفسير الطبري (16/261).
[15293]:- في ت : "بن".
[15294]:- تفسير الطبري (16/262) وهذا إسناد فيه ثلاث علل : الأولى : عنعنه ابن جريج وهو مدلس لم يصرح بالسماع. الثانية : الوليد بن مسلم القرشي كان يهم في رفع الأحاديث ويدلس تدليس التسوية. الثالثة : سليمان بن عبد الرحمن تكلم فيه من جهة حفظه وبمثل هذا السند روي حديث دعاء نسيان القرآن ، وسبق الكلام عليه في فضائل القرآن.

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (98)

فقال لهم يعقوب : { سوف أستغفر } ، فقالت فرقة : َسَّوَفُهم إلى السحر ، وروي عن محارب بن دثار أنه قال : كان عم لي يأتي المسجد فسمع إنساناً يقول : اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت ، وهذا سحر فاغفر لي ، فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود ، فسئل عبد الله بن مسعود عن ذلك ، فقال : إن يعقوب عليه السلام أخر بنيه إلى السحر ، ويقوي هذا التأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم : «ينزل ربنا كل ليلة إذا كان الثلث الآخر إلى سماء الدنيا فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ » الحديث{[6833]} ويقويه قوله تعالى : { والمستغفرين بالأسحار }{[6834]} [ آل عمران : 17 ] . وقالت فرقة : إنما سوفهم يعقوب إلى قيام الليل ، وقالت فرقة - منهم سعيد بن جبير - سوفهم يعقوب إلى الليالي البيض ، فان الدعاء فيهن يستجاب وقيل : إنما أخرهم إلى ليلة الجمعة ، وروى ابن عباس هذا التأويل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : «أخرهم يعقوب حتى تأتي له الجمعة »{[6835]} .

ثم رجاهم يعقوب عليه السلام بقوله : { إنه هو الغفور الرحيم } .


[6833]:أخرجه البخاري في التهجد، ومسلم في المسافرين، وأبو داود في السنة، والترمذي في الصلاة، وفي الدعوات، وابن ماجه في الإقامة، والدارمي في الصلاة، والموطأ في القرآن، والإمام أحمد في مسنده (2ـ264، 267، 282، 419، 487، 504).
[6834]:من الآية (17) من سورة (آل عمران).
[6835]:أخرج ابن جرير، وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (في قصة قول أخي يعقوب لبنيه): {سوف أستغفر لكم ربي} يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة. (الدر المنثور).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (98)

إنما وعدهم بالاستغفار في المستقبل إذ قال : { سوف أستغفر لكم ربي } للدلالة على أنه يلازم الاستغفار لهم في أزمنة المستقبل . ويعلم منه أنه استغفر لهم في الحال بدلالة الفحوى ؛ ولكنه أراد أن ينبههم إلى عظم الذنب وعظمة الله تعالى وأنه سيكرر الاستغفار لهم في أزمنة مستقبلة . وقيل : أخّر الاستغفار لهم إلى ساعة هي مظنة الإجابة . وعن ابن عباس مرفوعاً أنه أخر إلى ليلة الجمعة ، رواه الطبري . وقال ابن كثير : في رفعه نظر .

وجملة { إنه هو الغفور الرحيم } في موضع التعليل لجملة { أستغفر لكم ربي } . وأكد بضمير الفصل لتقوية الخبر .