{ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى } أى : وأنه - سبحانه - هو الذى أوجد فى هذا الكون ما يحيط بالإنسان من مؤثرات ومن مشاعر مختلفة : تارة يضحك وتارة يبكى .
وما أكثر هذه المؤثرات والأحوال والاعتبارات والدوافع . . . فى حياة الإنسان .
فالآية الكريمة انتقال من وجوب الاعتبار بأحوال الآخرة إلى وجوب الاعتبار بأحوال الإنسان ، وبما يحيط به من مؤثرات تارة تضحكه وتارة تبكيه .
وأسند - سبحانه - الفعلين إليه ؛ لأنه هو خالقهما ، وهو الموجد لأسبابهما .
وحذف - سبحانه - المفعول به لهما ، لأنهما هما المقصودان بالذات ، لدلالتهما على كمال قدرته - تالى - أى : وأنه وحده - عز وجل - هو الذى أوجد فى الإنسان الضحك والبكاء ، فالفعلان منزلان منزلة الفعل اللازم .
وقدم - سبحانه - الضحك على البكاء ، للإشعار بمزيد فضله ومنته على عباده .
وبعدما يصل السياق بالقلب البشري إلى نهاية المطاف يكر راجعا به إلى الحياة ، يريه فيها آثار مشيئة الله . في كل مرحلة ، وفي كل حال :
وتحت هذا النص تكمن حقائق كثيرة . ومن خلاله تنبعث صور وظلال موحية مثيرة . .
أضحك وأبكى . . فأودع هذا الإنسان خاصية الضحك وخاصية البكاء . وهما سر من أسرار التكوين البشري لا يدري أحد كيف هما ، ولا كيف تقعان في هذا الجهاز المركب المعقد ، الذي لا يقل تركيبه وتعقيده النفسي عن تركيبه وتعقيده العضوي . والذي تتداخل المؤثرات النفسية والمؤثرات العضوية فيه وتتشابكان وتتفاعلان في إحداث الضحك وإحداث البكاء .
وأضحك وأبكى . . فأنشأ للإنسان دواعي الضحك ودواعي البكاء . وجعله - وفق أسرار معقدة فيه - يضحك لهذا ويبكي لهذا . وقد يضحك غدا مما أبكاه اليوم . ويبكي اليوم مما أضحكه بالأمس . في غير جنون ولا ذهول إنما هي الحالات النفسية المتقلبة . والموازين والدواعي والدوافع والاعتبارات التي لا تثبت في شعوره على حال !
وأضحك وأبكى . . فجعل في اللحظة الواحدة ضاحكين وباكين . كل حسب المؤثرات الواقعة عليه . وقد يضحك فريق مما يبكي منه فريق . لأن وقعه على هؤلاء غير وقعه على أولئك . . وهو هو في ذاته . ولكنه بملابساته بعيد من بعيد !
وأضحك وأبكى . من الأمر الواحد صاحبه نفسه . يضحك اليوم من الأمر ثم تواجهه عاقبته غدا أو جرائره فإذا هو باك . يتمنى أن لم يكن وأن لم يكن ضحك وكم من ضاحك في الدنيا باك في الآخرة حيث لا ينفع البكاء !
هذه الصور والظلال والمشاعر والأحوال . . وغيرها كثير تنبثق من خلال النص القصير ، وتتراءى للحس والشعور . وتظل حشود منها تنبثق من خلاله كلما زاد رصيد النفس من التجارب ؛ وكلما تجددت عوامل الضحك والبكاء في النفوس - وهذا هو الإعجاز في صورة من صوره الكثيرة في هذا القرآن .
وذكر الضحك والبكاء لأنهما صفتان تجمعان أصنافاً كثيرة من الناس ، إذ الواحدة دليل السرور ، والأخرى دليل الحزن في الدنيا والآخرة ، فنبه تعالى على هاتين الخاصتين اللتين هما للإنسان وحده ، وقال مجاهد المعنى : { أضحك } الله أهل الجنة { وأبكى } أهل النار{[10729]} . وحكى الثعلبي في هذا أقوالاً استعارية كمن قال { أضحك } الأرض بالنبات ، { وأبكى } السماء بالمطر ، ونحوه : و { أمات وأحيا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.