وقوله - سبحانه - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب . . . } معطوف على جملة : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات } عطف الخاص على العام .
أى : لقد أرسلنا رسلا كثيرين . . . وبالله لقد أرسلنا نوحا وإبراهيم ، وجعلنا فى ذريتهما عددا من الأنبياء ، وأوحينا إليهم كتبنا ، التى تهدى أقوامهم إلى طريق الحق ، كالتوراة التى أنزلناها على موسى ، وكالزبور الذى أنزلناه على داود .
وخص - سبحانه - نوحا وإبراهيم - عليهما السلام - بالذكر ، لشهرتهما ولأن جميع الأنبياء من نسلهما .
والضمير فى قوله - تعالى - : { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أى : فمن ذريتهم من اهتدى إلى الدين الحق ، وآمن به ، وقام بأداء تكاليفه . وكثير من أفراد هذه الذرية فاسقون . أى : خارجون عن الاهتداء إلى الحقن منغمسون فى الكفر والضلال .
ولما انتهى من تقرير وحدة الرسالة في جوهرها وكتابها وميزانها عاد يقرر وحدتها في رجالها ، فهم من ذرية نوح وإبراهيم .
( ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب ) . .
فهي شجرة واحدة باسقة ، متشابكة الفروع ، فيها النبوة والكتاب . ممتدة من فجر البشرية منذ نوح ، حتى إذا انتهت إلى إبراهيم ، تفرعت وامتدت وانبثقت النبوات من ذلك الفرع الكبير الذي صار أصلا باسقا ممتدا إلى آخر الرسالات .
فأما الذرية التي جاءتها النبوات والكتب فلم تكن على شاكلة واحدة : ( فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) . .
يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحًا ، عليه السلام ، لم يرسل بعده رسولا ولا نبيًّا إلا من ذريته ، وكذلك إبراهيم ، عليه السلام ، خليل الرحمن ، لم ينزل من السماء كتابًا ولا أرسل رسولا ولا أوحى إلى بشر من بعده ، إلا وهو من سلالته كما قال في الآية الأخرى : { وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ } [ يعني ]{[28313]} حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بشر من بعده بمحمد ، صلوات الله وسلامه عليهما ؛
ولهذا قال تعالى : { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِمَا النّبُوّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فَاسِقُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ولقد أرسلنا أيها الناس نوحا إلى خلقنا ، وإبراهيم خليله إليهم رسولاً وَجَعَلْنا فِي ذُرّيّتِهِما النُبُوّةَ وَالكِتابَ وكذلك كانت النبوّة في ذرّيتهما ، وعليهم أنزلت الكتب : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان ، وسائر الكتب المعروفة فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ يقول : فمن ذرّيتهما مهتدٍ إلى الحقّ مستبصر وكَثِيرٌ مِنْهُمْ يعني من ذرّيتهما فاسِقُونَ يعني ضُلاّل ، خارجون عن طاعة الله إلى معصيته .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا أيها الناس نوحا إلى خلقنا، وإبراهيم خليله إليهم رسولاً" وَجَعَلْنا فِي ذُرّيّتِهِما النُبُوّةَ وَالكِتابَ "وكذلك كانت النبوّة في ذرّيتهما، وعليهم أنزلت الكتب: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وسائر الكتب المعروفة "فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ" يقول: فمن ذرّيتهما مهتدٍ إلى الحقّ مستبصر "وكَثِيرٌ مِنْهُمْ" يعني من ذرّيتهما "فاسِقُونَ" يعني ضُلاّل، خارجون عن طاعة الله إلى معصيته.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وإنما ذكر نوحا وإبراهيم، والله أعلم، لما أخبر أنه جعل في ذريتهما النبوة والكتاب، وإلا فقد أرسل الرسل بجملتهم في قوله: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} [الآية: 25] فدخل نوح وإبراهيم عليهم السلام في قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات}.
{فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون} يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد كان في قومهم من اتبعهم، فصاروا مهتدين، ومنهم من ترك اتباعهم، وخرجوا عن أمر الله، فصاروا فاسقين؛ يصبره، ويسكن قلبه على ما كان في قوم من تقدم من الرسل من المجيبين لرسله والتاركين للإجابة كقومك، أي لست أنت بأول من كذب، ورد قوله تعنتا وعنادا، والله الهادي.
واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أرسل الرسل بالبينات والمعجزات، وأنه أنزل الميزان والحديد، وأمر الخلق بأن يقوموا بنصرتهم أتبع ذلك ببيان سائر الأشياء التي أنعم بها عليهم، فبين أنه تعالى شرف نوحا وإبراهيم عليهما السلام بالرسالة، ثم جعل في ذريتهما النبوة والكتاب فما جاء بعدهما أحد بالنبوة إلا وكان من أولادهما، وإنما قدم النبوة على الكتاب، لأن كمال حال النبي أن يصير صاحب الكتاب والشرع. قال تعالى: {فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون}...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
معطوف على جملة {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} [الحديد: 25] عطف الخاص على العام لما أريد تفصيل لإِجماله تفصيلاً يسجل به انحراف المشركين من العرب والضالّين من اليهود عن مناهج أبويهما: نوح وإبراهيم قال تعالى في شأن بني إسرائيل {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً} [الإسراء: 3]، والعرب لا ينسون أنهم من ذرية نوح..
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.