التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (54)

ثم ساق - سبحانه - جانباً من فضائل إسماعيل - عليه السلام - وهو الفرع الثانى من ذرية إبراهيم ، فقال - تعالى - : { واذكر فِي الكتاب . . . } .

أى : واذكر فى هذا الكتاب لقومك - أيها الرسول الكريم - خبر جدك إسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام - لكى يتأسوا به فى صفاته الجليل ، { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد } ويكفى للدلالة على صدق وعده ، وشدة وفائه ، أنه وعد أباه بصبر على ذبحه فمل يخلف وعده . بل قال - كما حكى القرآن عنه - { ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين } ووصف بصدق الوعد وإن كان غيره من النبيين كذلك تشريفاً وتكريماً له ، ولأن هذا الوصف من الأوصاف التى اكتملت شهرتها فيه .

وقد مدح الله - تعالى - الأوفياء بعهودهم فى آيات كثيرة منها قوله - تعالى - { والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ والصابرين فِي البأسآء والضراء وَحِينَ البأس أولئك الذين صَدَقُواْ وأولئك هُمُ المتقون } وروى الإمام الطبرانى عن ابن مسعود قال : لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " العدة دين " .

وقال القرطبى : " والعرب تمتدح بالوفاء ، وتذم بالخلف والغدر ، وكذلك سائر الأمم ، ولقد أحسن القائل :

متى ما يقل حر لصاحب حاجة نعم ، يقضها ، والحر للوعد ضامن .

وقوله - تعالى - : { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } أى : وكان من رسلنا الذين أرسلناهم لتبليغ شريعتنا ، ومن أنبيائنا الذين رفعنا منزلتهم وأعلينا قدرهم .

قالوا : وكانت رسالته بشريعة أبيه إلى قبيلة جرهم من عرب اليمن ، الذين نزلوا على أمه هاجر بوادى مكة حين خلفها إبراهيم وهى وابنها بذلك الوادى ، فسكنوا هناك حتى كبر إسماعيل وزوجوه منهم ، وأرسله الله - تعالى - إليهم " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (54)

ثم يعود السياق إلى الفرع الآخر من ذرية إبراهيم . فيذكر إسماعيل أبا العرب : ( واذكر في الكتاب إسماعيل ، إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا . وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ، وكان عند ربه مرضيا ) . .

وينوه من صفات إسماعيل بأنه كان صادق الوعد . وصدق الوعد صفة كل نبي وكل صالح ، فلا بد أن هذه الصفة كانت بارزة في إسماعيل بدرجة تستدعي إبرازها والتنويه بها بشكل خاص .

وهو رسول فلا بد أن كانت له دعوة في العرب الأوائل وهو جدهم الكبير . وقد كان في العرب موحدون أفراد قبيل الرسالة المحمدية ، فالأرجح أنهم بقية الموحدين من أتباع إسماعيل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (54)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واذكر يا محمد في الكتاب إسماعيل بن إبراهيم ، فاقصص خبره إنه كان لا يكذب وعده ، ولا يخلف ، ولكنه كان إذا وعد ربه ، أو عبدا من عباده وعدا وفى به ، كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : إنّهُ كانَ صَادِقَ الوَعْدِ قال : لم يَعِدْ ربه عِدة إلا أنجزها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن سهل بن عقيل ، حدّثه أن إسماعيل عليه السلام وعد رجلاً مكانا أن يأتيه ، فجاء ونسي الرجل ، فظلّ به إسماعيل ، وبات حتى جاء الرجل من الغد ، فقال : ما برحت من هاهنا ؟ قال : لا ، قال : إني نسيت ، قال : لم أكن لأبرح حتى تأتي ، فبذلك كان صادقا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا} (54)

خصّ إسماعيل بالذكر هنا تنبيهاً على جدارته بالاستقلال بالذكر عقب ذكر إبراهيم وابنه إسحاق ، لأن إسماعيل صار جدّ أمة مستقلة قبل أن يصير يعقوب جدّ أمة ، ولأن إسماعيل هو الابن البكر لإبراهيم وشريكُه في بناء الكعبة . وتقدم ذكر إسماعيل عند قوله تعالى : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } في سورة البقرة ( 127 ) .

وخصه بوصف صدق الوعد لأنه اشتهر به وتركه خُلقاً في ذريته .

وأعظم وعْدٍ صدقَه وعدُه إياه إبراهيم بأن يجده صابراً على الذبح فقال { ستجدني إن شاء الله من الصابرين } [ الصافات : 102 ] .

وجعله الله نبيئاً ورسولاً إلى قومه ، وهم يومئذ لا يعدون أهله أمه وبنيه وأصهاره من جُرهم .