التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِمَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُمۡ أَتَعۡلَمُونَ أَنَّ صَٰلِحٗا مُّرۡسَلٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلَ بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (75)

لقد كان موقفهم لا يقل في القبح والتطاول والعناد عن موقف قوم نوح وقوم هود ، وهاك ما حكاه القرآن عنهم :

{ قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ استضعفوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ } ؟

أى : قال المترفون المتكبرون من قوم صالح للمؤمنين المستضعفين الذين هداهم الله إلى الحق : أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه إليكم لعبادته وحده لا شريك له ؟

وهو سؤال قصد المترفون منه تهديد المؤمنين والاستهزاء بهم ، لأنهم يعلمون أن المؤمنين يعرفون ان صالحا مرسل من ربه .

ولذا وجدنا المؤمنين لا يردون عليهم بما يقتضيه ظاهر السؤال بأن يقولوا لهم : نعم أنه مرسل من ربه ، وإنما ردوا عليهم بقوله : { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } ، مسارعة منهم إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل ، وإظهاراً للإيمان الذي استقر في قلوبهم ، وتنبيها على أن أمر إرسال صالح - عليه السلام - من الظهور والوضوح حيث لا ينبغى لعاقل أن يسأل عنه ، وإنما الشىء الجدير بالسؤال عنه هو الإيمان بما جاء به هذا الرسول الكريم ، والامتثال لما يقتضيه العقل السليم .

وهو رد من المؤمنين المستضعفين يدل على شجاعتهم في الجهر بالحق وعلى قوة إيمانهم ، وسلامة يقينهم .

وقوله : { لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } بدل من { لِلَّذِينَ استضعفوا } بإعادة الجار بدل كل من كل ، والضمير في { مِنْهُمْ } يعود على قوم صالح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِمَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُمۡ أَتَعۡلَمُونَ أَنَّ صَٰلِحٗا مُّرۡسَلٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلَ بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (75)

59

وهنا كذلك نلمح فجوة في السياق على سبيل الإيجاز والاختصار . فقد آمنت طائفة من قوم صالح ، واستكبرت طائفة . والملأ هم آخر من يؤمن بدعوة تجردهم من السلطان في الأرض ، وترده إلى إله واحد هو رب العالمين ! ولا بد أن يحاولوا فتنة المؤمنين الذين خلعوا ربقة الطاغوت من أعناقهم بعبوديتهم لله وحده ، وتحرروا بذلك من العبودية للعبيد !

وهكذا نرى الملأ المستكبرين من قوم صالح يتجهون إلى من أمن من الضعفاء بالفتنة والتهديد :

( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا - لمن آمن منهم - : أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه ؟ ) . .

وواضح أنه سؤال للتهديد والتخويف ، ولاستنكار إيمانهم به ، وللسخرية من تصديقهم له في دعواه الرسالة من ربه .

ولكن الضعاف لم يعودوا ضعافاً ! لقد سكب الإيمان بالله القوة في قلوبهم ، والثقة في نفوسهم ، والاطمئنان في منطقهم . . إنهم على يقين من أمرهم ، فماذا يجدي التهديد والتخويف ؟ وماذا تجدي السخرية والاستنكار . . من الملأ المستكبرين ؟ :

( قالوا : إنا بما أرسل به مؤمنون ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِمَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُمۡ أَتَعۡلَمُونَ أَنَّ صَٰلِحٗا مُّرۡسَلٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلَ بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (75)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ الْمَلاُ الّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنّ صَالِحاً مّرْسَلٌ مّن رّبّهِ قَالُوَاْ إِنّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قال الذين استكبروا إنا بالذي ءامنتم به كافرين } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : قالَ المَلأُ الّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ قال الجماعة الذين استكبروا من قوم صالح عن اتّباع صالح والإيمان بالله وبه ، للّذِينَ اسْتُضْعِفُوا يعني : لأهل المسكنة من تباع صالح والمؤمنين به منهم ، دون ذوي شرفهم وأهل السؤدد منهم : أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه أرسله الله إلينا وإليكم ؟ قال الذين آمنوا بصالح من المستضعفين منهم : إنا بما أَرْسَلَ الله به صالحا من الحقّ والهدى مؤمنون يقول : مصدّقون مقرّون أنه من عند الله وأن الله أمر به وعن أمر الله دعانا صالح إليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِمَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُمۡ أَتَعۡلَمُونَ أَنَّ صَٰلِحٗا مُّرۡسَلٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلَ بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (75)

وتقدم القول في { الملأ } ، وقرأ ابن عامر وحده في هذا الموضع «وقال الملأ » بواو عطف وهي محذوفة عند الجميع ، و { الذين استكبروا } هم الأشراف والعظماء الكفرة ، و { استكبروا } يحتمل أن يكون معناه طلبوا هيئة لنفوسهم من الكبر ، أو يكون بمعنى كبروا كبرهم المال والجاه وأعظمهم فيكون على هذا كبر و «استكبر » بمعنى كعجب واستعجب ، والأول هو باب استفعل كاستوقد واسترفد ، والذين استضعفوا هم العامة والأغفال في الدنيا وهم أتباع الرسل ، وقولهم { أتعلمون } استفهام على معنى الاستهزاء والاستخفاف ، فأجاب المؤمنون بالتصديق والصرامة في دين الله .