التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (78)

ولقد كان رد القدر على تبجحهم وعتوهم واستكبارهم سريعا ؛ قال - تعالى - { فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } .

الرجفة : الزلزلة الشديدة . يقال : رجفت الأرض ترجف رجفا ، إذا اضطربت وزلزلت ؛ ومنه الرجفان للاضطراب الشديد .

وجاثمين : من الجثوم وهو للناس والطير بمنزلة البروك للإبل ، يقال جثم الطائر يجثم جثما وجثوما فهو جاثم إذا وقع على صدره أو لزم مكانه فلم يبرحه .

والمعنى : فأخذت أولئك المستكبرين الرجفة ، أى : الزلزلة الشديدة فأهلكتهم ، فأصبحوا في بلادهم أو مساكنهم باركين على الركب ، ساقطين على وجوههم ، هامدين لا يتحركون . وما ظلمهم الله ولكن كانوا انفسهم يظلمون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (78)

59

ولا يستأني السياق في إعلان الخاتمة ، ولا يفصل كذلك :

( فأخذتهم الرجفة ، فأصبحوا في دارهم جاثمين ) . .

والرجفة والجثوم ، جزاء مقابل للعتو والتبجح . فالرجفة يصاحبها الفزع ، والجثوم مشهد للعجز عن الحراك . وما أجدر العاتي أن يرتجف ، وما أجدر المعتدي أن يعجز . جزاء وفاقاً في المصير . وفي التعبير عن هذا المصير بالتصوير .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (78)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : فأخذت الذين عقروا الناقة من ثمود الرجفة ، وهي الصيحة ، والرجفة : الفَعْلة ، من قول القائل : رجَف بفلان كذا يَرْجُف رَجْفا ، وذلك إذا حرّكه وزعزعه ، كما قال الأخطل :

إمّا تَرَيْنِي حنَانِي الشّيْبُ مِنْ كِبَرٍ ***كالنّسْرِ أرْجُفُ وَالإنْسانُ مَهْدُودُ

وإنما عنى بالرجفة ههنا : الصيحة التي زعزعتهم وحرّكتهم للهلاك ، لأن ثمود هلكت بالصيحة فيما ذكر أهل العلم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : الرجفة ، قال : الصيحة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَأخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ وهي الصيحة .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن مجاهد : فَأخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ قال : الصيحة .

وقوله : فَأصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جاثِمِينَ يقول : فأصبح الذين أهلك الله من ثمود في دارهم ، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم ولذلك وحد الدار ولم يجمعها فيقول «في دورهم » . وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور ، ولكن وجه بالواحدة إلى الجمع ، كما قيل : وَالعَصْرِ إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ .

وقوله : جاثِمِينَ يعني : سقوطا صرعى لا يتحرّكون لأنهم لا أرواح فيهم قد هلكوا ، والعرب تقول للبارك على الركبة : جاثم ، ومنه قول جرير :

عَرَفْتُ المُنْتَأَى وعَرَفْتُ مِنها ***مَطايا القِدْرِ كالحِدَإِ الجُثُوم

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جاثِمِينَ قال : ميتين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ} (78)

و { الرجفة } ما تؤثره الصيحة أو الطامة التي يرجف بها الإنسان وهو أن يتزعزع ويتحرك ويضطرب ويرتعد . ومنه قول خديجة فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ، ومنه قول الأخطل : [ البسيط ] :

أما تريني حناني الشيب من كبر*** كالنسر أرجف والإنسان ممدود

ومنه «إرجاف » النفوس لكريه الأخبار أي تحريكها ، وروي أن صيحة ثمود كان فيها من صوت كل شيء هائل الصوت ، وكانت مفرطة شقت قلوبهم فجثوا على صدورهم والجاثم اللاطىء بالأرض على صدره مع قبض ساقيه كما يرقد الأرنب والطير ، فإن جثومها على وجهها ، ومنه قول جرير : [ الوافرُ ] .

عرفت المنتأى وعرفت منها*** مطايا القدر كالحد? الجثوم

وقال بعض المفسرين معناه حمماً محترقين كالرماد الجاثم .

قال القاضي أبو محمد : وحيث وجد الرماد الجاثم في شعر فإنما هو مستعار لهيئة الرماد قبل هموده وتفرقه ، وذهب صاحب هذا القول إلى أن الصيحة اقترن بها صواعق محرقة .