التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

وقوله - سبحانه - : { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تجزى . إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ الأعلى } بيان لبلوغه أسمى درجات الإِخلاص والنقاء .

أى : أن هذا الإِنسان الكامل فى تقاه لا يفعل ما يفعل من وجوه الخيرات ، من أجل المجازاة لغيره على نعمة سلفت من هذا الغير له ، وإنما يفعل ما يفعل من أجل شئ واحد ، وهو طلب رضا الله - تعالى - والظفر بثوابه ، والإِخلاص لعبادته - سبحانه - .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

( وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) . .

ثم ماذا ? ماذا ينتظر هذا الأتقى ، الذي يؤتي ماله تطهرا ، وابتغاء وجه ربه الأعلى ? إن الجزاء الذي يطالع القرآن به الأرواح المؤمنة هنا عجيب . ومفاجئ . وعلى غير المألوف .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تُجْزَىَ * إِلاّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَىَ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىَ } .

كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى : وما لأحد من خلق الله عند هذا الذي يؤتى ماله في سبيل الله يتزكى مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى يعني : من يد يكافئه عليها ، يقول : ليس ينفق ما ينفق من ذلك ، ويعطى ما يعطى ، مجازاة إنسان يجازيه على يد له عنده ، ولا مكافأة له على نعمة سلفت منه إليه ، أنعمها عليه ، ولكن يؤتيه في حقوق الله ابتغاء وجه الله . قال : وإلا في هذا الموضع بمعنى لكن وقال : يجوز أن يكون الفعل في المكافأة مستقبلاً ، فيكون معناه : ولم يُرِد بما أنفق مكافأة من أحد ، ويكون موقع اللام التي في أحد في الهاء التي خفضتها عنده ، فكأنك قلت : وما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها ، قال : وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان معروفا ، واستشهدوا لذلك ببيت النابغة :

وَقَدْ خِفْتُ حتى ما تَزِيدُ مَخافَتِي *** على وَعِلٍ فِي ذِي المَطارَةِ عاقِلِ

والمعنى : حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من أهل العربية ، وزعم أنه مما يجوز هو الصحيح الذي جاءت به الاَثار عن أهل التأويل وقالوا : نزلت في أبي بكر بعَتْقه من أعتق . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى يقول : ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم ، إنما عطيته لله .

حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي ، قال : حدثنا هارون بن معروف . قال : حدثنا بشر بن السريّ ، قال : حدثنا مصعب بن ثابت ، عن عامر بن عبد الله عن أبيه ، قال : نزلت هذه الاَية في أبي بكر الصدّيق : وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : أخبرني سعيد ، عن قتادة ، في قوله : وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى قال : نزلت في أبي بكر ، أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا ، ستة أو سبعة ، منهم بلال ، وعامر بن فُهَيرة .

وعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن هؤلاء ، ينبغي أن يكون قوله : إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى نصبا على الاستثناء من معنى قوله : وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى لأن معنى الكلام : وما يؤتي الذي يؤتي من ماله ملتسما من أحد ثوابه ، إلا ابتغاء وجه ربه . وجائز أن يكون نصبه على مخالفة ما بعد إلا ما قبلها ، كما قال النابغة :

ت . ت . وَما بالرّبْعِ مِنْ أحَدِ

إلاّ أَوَارِيّ لأَيْا ما أُبَيّنُهات .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ} (19)

وقوله تعالى ( وما لأحد عنده ) الآية . . معناه : وليس إعطاؤه ليجزي نعما قد أنزلت إليه بل هو مبتدئ ابتغاء وجه الله تعالى .

وروي في سبب هذا أن قريشا قالوا -لما أعتق أبو بكر رضي الله عنه بلالا- : كانت لبلال يد عنده ، وذهب الطبري إلى أن المعنى : وليس يعطي ليثاب نعما يجزى بها يوما وينتظر ثوابها ، وحوم في هذا المعنى وحلق بتطويل غير مغن ، ويتجه المعنى الذي أراد بأيسر من قوله ، وذلك أن يكون التقدير : ( وما لأحد عنده ) إعطاء ليقع عليه من ذلك لأحد جزاء بعد ، بل هو لمجرد ثواب الله تعالى وجزائه .