التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

والاستفهام فى قوله : { فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ . كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ . فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } للتعجيب من إصرارهم على كفرهم ، ومن إعراضهم عن الحق الذى دعاهم إليه نبيهم صلى الله عليه وسلم .

والمراد بالتذكرة : التذكير بمواعظ القرآن وإرشاداته ، والحمر : جمع حمار ، والمرادبه الحمار الوحشى المعروف بشدة نفوره وهروبه إذا ما أحس بحركة المقتنص له .

وقوله : { مُّسْتَنفِرَةٌ } أى : شديدة النفور والهرب فالسين والتاء للمبالغة .

والقسورة : الأسد ، سمى بذلك لأنه يقسر غيره من السباع ويقهرها ، وقيل : القسورة اسم الجماعة الرماة الذين يطاردون الحمر الوحشية ، ولا واحد له من لفظه ، ويطلق هذا اللفظ عند العرب على كل من كان بالغ النهاية فى الضخامة والقوة . من القسر بمعنى القهر . أى : ما الذى حدث لهؤلاء الجاحدين المجرمين ، فجعلهم يصرون إصرارا تاما على الإِعراض عن مواعظ القرآن الكريم ، وعن هداياته وإرشاداته ، وأوامره ونواهيه . . حتى لكأنهم - فى شدة إعراضهم عنه ، ونفورهم منه - حمر وحشية قد نفرت بسرعة وشدة من أسد يريد أن يفترسها ، أو من جماعة من الرماة أعدوا العدة لاصطيادها ؟

قال صاحب الكشاف : شبههم - سبحانه - فى إعراضهم عن القرآن ، واستماع الذكر والموعظة ، وشرادهم عنه - بحمر جدت فى نفارها مما أفزعها .

وفى تشبيههم بالحمر : مذمة ظاهرة ، وتهجين لحالهم بين ، كما فى قوله - تعالى - : { كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً } وشهادة عليهم بالبلة وقلة العقل ، ولا ترى مثل نفار حمير الوحش ، واطرادها فى العدو ، إذا رابها رائب ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب ، فى وصف الإِبل ، وشدة سيرها ، بالحمر ، وعدوها إذا وردت ماء فأحست عليه بقانص . .

والتعبير بقوله : { فَمَا لَهُمْ . . . } وما يشبهه قد كثر استعماله فى القرآن الكريم ، كما فى قوله - تعالى - : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ . . . } والمقصود منه التعجيب من إصرار المخاطبين على باطلهم ، أو على معتقد من معتقداتهم . . مع أن الشواهد والبينات تدل على خلاف ذلك .

وقال - سبحانه - { عَنِ التذكرة } بالتعميم ، ليشمل إعراضهم كل شئ يذكرهم بالحق ، ويصرفهم عن الباطل .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

وأمام هذا الموقف المهين الميئوس منه في الآخرة ، يردهم إلى موقفهم في الفرصة المتاحة لهم في الأرض قبل مواجهة ذلك الموقف ؛ وهم يصدون عنها ويعرضون ، بل يفرون من الهدى والخير ووسائل النجاة المعروضة عليهم فيها ، ويرسم لهم صورة مضحكة تثير السخرية والعجب من أمرهم الغريب :

( فما لهم عن التذكرة معرضين ? كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة ? ) . .

ومشهد حمر الوحش وهي مستنفره تفر في كل اتجاه ، حين تسمع زئير الأسد وتخشاه . . مشهد يعرفه العرب . وهو مشهد عنيف الحركة . مضحك أشد الضحك حين يشبه به الآدميون ! حين يخافون ! فكيف إذا كانوا إنما ينفرون هذا النفار الذي يتحولون به من آدميين إلى حمر ، لا لأنهم خائفون مهددون بل لأن مذكرا يذكرهم بربهم وبمصيرهم ، ويمهد لهم الفرصة ليتقوا ذلك الموقف الزري المهين ، وذلك المصير العصيب الأليم ? !

إنها الريشة المبدعة ترسم هذا المشهد وتسجله في صلب الكون ، تتملاه النفوس ، فتخجل وتستنكف أن تكون فيه ، ويروح النافرون المعرضون أنفسهم يتوارون من الخجل ، ويطامنون من الإعراض والنفار ، مخافة هذا التصوير الحي العنيف !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

وقوله : فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ اختلف أهل التأويل في معنى القسورة ، فقال بعضهم : هم الرماة . ذكر من قال ذلك :

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، في قوله : فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : الرماة .

حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن أبي موسى فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : الرماة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : هي الرماة .

قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : قَسْوَرَةٍ قال : عصَبة قناص من الرماة . زاد الحارث في حديثه . قال : وقال بعضهم في القسورة : هو الأسد ، وبعضهم : الرماة .

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سِماك ، عن عكرِمة ، في قوله : فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : القسورة : الرماة ، فقال رجل لعكرِمة : هو الأسد بلسان الحبشة ، فقال عكرِمة : اسم الأسد بلسان الحبشة عنبسة .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أبو رجاء ، عن عكرِمة ، في قوله فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : الرماة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سليمان بن عبد الله السلولي ، عن ابن عباس ، قال : هي الرماة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ وهم الرماة القناص .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : قسورة النبّل .

وقال آخرون : هم القُنّاص . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ يعني : رجال القَنْص .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير في هذه الاَية فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : هم القناص .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جُبير قال : هم القناص .

وقال آخرون : هم جماعة الرجال . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن أبي حمزة ، قال : سألت ابن عباس عن القسورة ، فقال : ما أعلمه بلغة أحد من العرب : الأسد هي عصب الرجال .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : ما أعلمه بلغة أحد من العرب الأسد هي عِصب الرجال .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : سمعت أبي يحدّث ، قال : حدثنا داود ، قال : ثني عباد بن عبد الرحمن مولى بني هاشم ، قال : سئل ابن عباس عن القسورة ، قال : جمع الرجال ، ألم تسمع ما قالت فلانة في الجاهلية :

يا بِنْتَ لُؤَيّ خَيْرَةً لخَيْرَه *** أحْوَالُها في الحَيّ مِثلُ القَسْوَرَهْ

وقال آخرون : هي أصوات الرجال . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : ركز الناس أصواتهم .

قال أبو كريب ، قال سفيان : هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مِنْ أحَدٍ أوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزا .

وقال آخرون : بل هو الأسد . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي هريرة فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : هو الأسد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن سيلان ، أن أبا هريرة كان يقول في قول الله : فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : هو الأسد .

حدثني محمد بن معمر ، قال : حدثنا هشام ، عن زيد بن أسلم ، في قول الله : فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : الأسد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني داود بن قيس عن زيد بن أسلم ، في قول الله : فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : هو الأسد .

حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال ثني سلم بن قتيبة ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه سُئل عن قوله : فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : هو بالعربية : الأسد ، وبالفارسية : شار ، وبالنبطية : أريا ، وبالحبشية : قسورة .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ يقول : الأسد .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي هريرة قال : الأسد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَرّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ قال : القسورة : الأسد .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

فرت من قسورة أي أسد فعولة من القسر وهو القهر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

قوله تعالى { فرت } وبذلك رجح أبو علي قراءة كسر {[11454]}الفاء ، واختلف المفسرون في معنى القسورة فقال ابن عباس وأبو موسى الأشعري وقتادة وعكرمة : «القسورة » الرماة ، وقال ابن عباس أيضاً وأبو هريرة وجمهور من اللغويين : «القسورة » الأسد ، ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]

مضمر تحذره الأبطال*** كأنه القسورة الرئبال{[11455]}

وقال ابن جبير : «القسورة » : رجال القنص ، وقاله ابن عباس أيضاً ، وقيل : «القسورة » ركز الناس ، وقيل : «القسورة » الرجال الشداد ، قال لبيد :

إذا ما هتفنا هتفة في ندينا*** أتانا الرجال العاندون القساور{[11456]}

وقال ثعلب : «القسورة » سواد أول الليل خاصة لآخره أو اللفظة مأخوذة من القسر الذي هو الغلبة والقهر .


[11454]:قال الفراء في "معاني القرآن": وهما جميعا كثيرتان في كلام العرب – يعني اللغتين- ثم أنشد دليلا على الكسر: أمسك حمارك إنه مستنفر في إثر أحمرة عمدن لغرب و (غرب) جبل دون الشام في بلاد بني كلب، وعنده عين ماء يقال لها: الغربة، والبيت في القرطبي وفي المحيط وفي اللسان.
[11455]:الضمور: الهزال والتصاق البطن بالظهر، وهو دليل على سلامة الجسم، والقسورة: الأسد، وهذا هو المعروف فيه، وإن كان اللغويون قد ذكروا فيه أقوالا كثيرة، فهو الرامي والصائد، والكلب، والعزيز يقتسر غيره ويقهره، والرئبال: واحد من أسماء الأسد، يهمز ولا يهمز، ولم أقف على قائل البيت.
[11456]:هذا بيت من "متفرقات" نسبت إلى لبيد، وذكرت في آخر الديوان، والرواية فيه "الصائدون" بدلا من "العاندون" وهو في القرطبي "العائدون" وفي البحر المحيط، "الصائدون" وفي فتح القدير "العابدون". ويحاول بعض الشراح توضيح معنى "الصائد" بأنه من الصيد وهو ميل العنق من الكبر أو من المرض، أما "العائدون" و"العابدون" فلا نجد لهمها هنا معنى، وأما "العاندون" فهي جمع عاند وهو الباغي الذي يرد الحق مع العلم به، ومنه قوله تعالى: (وخاب كل جبار عنيد)، قالوا في تفسيره: هو الطاغي المجاوز للقدر، الذي يعرف الشيء فيميل عنه ويأباه. والندي: المجلس ما دام القوم مجتمعين فيه، فإذا تفرقوا عنه فليس بندى، ومثله النادي، والقساور: جمع قسورة وهو الأسد في الأصل، والمراد به هنا الرجال الأشداء، يقول : إذا ما صحنا صيحة القوة في مجتمعنا خضع لنا الرجال الأشداء المتكبرون الذين لا يخضعون لأحد كبرا وعنادا.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

و { قسورة } قيل هو اسم جمع قسْوَر وهو الرامي ، أو هو جمع على خلاف القياس إذ ليس قياس فَعْلَل أن يجمع على فَعْلَلة . وهذا تأويل جمهور المفسرين عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهما فيكون التشبيه جارياً على مراعاة الحالة المشهورة في كلام العرب .

وقيل : القسورة مُفرد ، وهو الأسد ، وهذا مروي عن أبي هريرة وزيد بن أسلم وقال ابن عباس : إنه الأسد بالحبشية ، فيكون اختلاف قول ابن عباس اختلافاً لفظياً ، وعنه : أنه أنكر أن يكون قَسْور اسمَ الأسد ، فلعله أراد أنه ليس في أصل العربية . وقد عدّه ابن السبكي في الألفاظ الواردة في القرآن بغير لغة العرب في أبيات ذكر فيها ذلك ، قال ابن سيده : القسور الأسد والقسورة كذلك ، أنثوه كما قالوا : أُسامة ، وعلى هذا فهو تشبيه مبتكر لحالة إِعراض مخلوط برُعْب مما تضمنته قوارع القرآن فاجتمع في هذه الجملة تمثيلان .

وإيثار لفظ { قسورة } هنا لصلاحيته للتشبيهين مع الرعاية على الفاصلة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَرَّتۡ مِن قَسۡوَرَةِۭ} (51)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يعني الرماة، وقالوا الأسد.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في معنى القسورة؛

فقال بعضهم: هم الرماة.

وقال بعضهم في القسورة: هو الأسد.

وقال آخرون: هي أصوات الرجال.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 50]

كأنهم حمر مستنفرة} {فرت من قسورة} بنصب الفاء وخفضه. ومن قرأ بخفض الفاء صرف الفعل إليها، كأنه يقول: حمر نافرة، ونفر واستنفر واحد كما يقال: استرقد القوم أي رقدوا. ومن قرأ بنصب الفاء فتأويله أنه فعل بها ما يحملها على النفار، وذلك يكون بالرامي وبالقانص، من الأسد كما ذكره أهل التفسير في تأويله القسورة، هي الأسد والرماة أو الصيادون، ويقال: هي النفرة، وكان هذا تشبيها بالحمر الوحشية التي في طبعها النفار. ووجه التقريب، هو أن هؤلاء أعرضوا عما في الإقبال عليه نجاتهم وتخلصهم من العطب، ونفروا كنفار الحمر المستنفرة من العطب والهلاك. وفي هذه الآية تبيين شدة سفههم وغاية جهلهم، لأن الحمر تنفر من القانص والرامي والأسد لتسلم من الهلاك والعطب، وهؤلاء الكفرة نفروا عما فيه نجاتهم إلى ما فيه هلاكهم وعطبهم، فهم أشر من الحمير وأضل.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والقسورة: أصله الأخذ بالشدة، من قسره يقسره قسرا أي قهره.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والقسورة: جماعة الرماة الذين يتصيدونها. وقيل: الأسد يقال: ليوث قساور وهي فعولة من القسر: وهو القهر والغلبة، وفي وزنه «الحيدرة» من أسماء الأسد. وعن ابن عباس: ركز الناس وأصواتهم. وعن عكرمة: ظلمة الليل، شبههم في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر والموعظة وشرادهم عنه، بحمر جدّت في نفارها مما أفزعها. وفي تشبيههم بالحمر: مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم بيّن. كما في قوله: {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة: 5]، وشهادة عليهم بالبله وقلة العقل. ولا ترى مثل نفار حمير الوحش واطرادها في العدو إذا رأبها رائب؛ ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل وشدّة سيرها بالحمر، وعدوها إذا وردت ماء فأحست عليه بقانص.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 49]

وأمام هذا الموقف المهين الميئوس منه في الآخرة، يردهم إلى موقفهم في الفرصة المتاحة لهم في الأرض قبل مواجهة ذلك الموقف؛ وهم يصدون عنها ويعرضون، بل يفرون من الهدى والخير ووسائل النجاة المعروضة عليهم فيها، ويرسم لهم صورة مضحكة تثير السخرية والعجب من أمرهم الغريب:

(فما لهم عن التذكرة معرضين؟ كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة؟)..

ومشهد حمر الوحش وهي مستنفره تفر في كل اتجاه، حين تسمع زئير الأسد وتخشاه.. مشهد يعرفه العرب. وهو مشهد عنيف الحركة. مضحك أشد الضحك حين يشبه به الآدميون! حين يخافون! فكيف إذا كانوا إنما ينفرون هذا النفار الذي يتحولون به من آدميين إلى حمر، لا لأنهم خائفون مهددون بل لأن مذكرا يذكرهم بربهم وبمصيرهم، ويمهد لهم الفرصة ليتقوا ذلك الموقف الزري المهين، وذلك المصير العصيب الأليم؟!

إنها الريشة المبدعة ترسم هذا المشهد وتسجله في صلب الكون، تتملاه النفوس، فتخجل وتستنكف أن تكون فيه، ويروح النافرون المعرضون أنفسهم يتوارون من الخجل، ويطامنون من الإعراض والنفار، مخافة هذا التصوير الحي العنيف!