التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَمَاتَ وَأَحۡيَا} (44)

وقوله : { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } أى : وأنه - تعالى - بقدرته وحدها ، هو الذى أحيا من يريد إحياءه من مخلوقاته ، وأمات من يريد إماتته منهم .

وهذا رد على أولئك الجاهلين الذين أنكروا ذلك ، وقالوا - كما حكى القرآن عنهم - { . . . مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر . . . }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَمَاتَ وَأَحۡيَا} (44)

( وأنه هو أمات وأحيا ) . .

وكذلك تنبثق من هذا النص صور لا عداد لها في الحس .

أمات وأحيا . . أنشأ الموت والحياة ، كما قال في سورة أخرى : ( الذي خلق الموت والحياة ) . وهما أمران معروفان كل المعرفة بوقوعهما المتكرر . ولكنهما خافيان كل الخفاء حين يحاول البشر أن يعرفوا طبيعتهما وسرهما الخافي على الأحياء . . فما الموت ? وما الحياة ? ما حقيقتهما حين يتجاوز الإنسان لفظهما وشكلهما الذي يراه ? كيف دبت الحياة في الكائن الحي ? ما هي ? ومن أين جاءت ? وكيف تلبست بهذا الكائن فكان ? وكيف سارت في طريقها الذي سارت فيه بهذا الكائن أو بهذه الكائنات الأحياء ? وما الموت ? وكيف كان . . قبل دبيب الحياة . وبعد مفارقتها للأحياء ? إنه السر الخافي وراء الستر المسبل ، بيد الله !

أمات وأحيا . . وتنبثق ملايين الصور من الموت والحياة . في عوالم الأحياء كلها . في اللحظة الواحدة . في هذه اللحظة . كم ملايين الملايين من الأحياء ماتت . وكم ملايين الملايين بدأت رحلة الحياة . ودب فيها هذا السر من حيث لا تعلم ومن حيث لا يعلم أحد إلا الله ! وكم من ميتات وقعت فإذا هي ذاتها بواعث حياة ! وكم من هذه الصور يتراءى على مدار القرون ، حين يستغرق الخيال في استعراض الماضي الطويل ، الذي كان قبل أن يكون الإنسان كله على هذا الكوكب . وندع ما يعلمه الله في غير هذا الكوكب من أنواع الموت والحياة التي لا تخطر على بال الإنسان !

إنها حشود من الصور وحشود ، تطلقها هذه الكلمات القلائل ، فتهز القلب البشري من أعماقه . فلا يتمالك نفسه ولا يتماسك تحت إيقاعاتها المنوعة الأصداء !