التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (10)

وقوله - سبحانه - : { وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } بيان لسوء عاقبة الذين لا يستجيبون لهداية القرآن الكريم ، وهو معطوف على قوله - تعالى - : { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } .

أى : أن هذا القرآن يبشر المؤمنين بالأجر الكبير ، ويبشر - على سبيل التهكم - الذين لا يؤمنون بالآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب بالعذاب الأليم .

قال الآلوسى ما ملخصه : وتخصيص الآخرة بالذكر من بين سائر ما لم يؤمن به الكفرة ، لكونها أعظم ما أمروا بالإِيمان به ، ولمراعاة التناسب بين أعمالهم وجزائها ، الذى أنبأ عنه قوله - تعالى - : { أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وهو عذاب جهنم . أى : أعددنا وهيأنا لهم ، فيما كفروا به وأنكروا وجوده من الآخرة عذابا أليما .

والآية معطوفة على قوله { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } فيكون إعداد العذاب الأليم للذين لا يؤمنون بالآخرة مبشرا به كثبوت الأجر الكبير للمؤمنين ، ومصيبة العدو سرور يبشر به ، فكأنه قيل : يبشر المؤمنين بثوابهم وعقاب أعدائهم . . .

ثم بين - سبحانه - بعض الأحوال التى قد يقدم الإِنسان فيها على طلب ما يضره بسبب عجلته واندفاعه فقال - تعالى - : { وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ هََذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً * وأَنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } .

يقول تعالى ذكره : إن هذا القرآن الذي أنزلناه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرشد ويسدّد من اهتدى به للّتِي هِيَ أقْوَمُ يقول : للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل ، وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه وهو الإسلام . يقول جلّ ثناؤه : فهذا القرآن يهدي عباد الله المهتدين به إلى قصد السبيل التي ضلّ عنها سائر أهل الملل المكذّبين به ، كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّ هَذَا القُرآنَ يَهْدِي للّتِي هِيَ أقْوَمُ قال : للتي هي أصوب : هو الصواب وهو الحقّ قال : والمخالف هو الباطل . وقرأ قول الله تعالى : فِيها كُتُبٌ قَيّمَةٌ قال : فيها الحقّ ليس فيها عوج . وقرأ ولَمْ نَجْعَلْ لَهُ عِوْجا قَيّما يقول : قيما مستقيما .

وقوله : وَيُبَشّرُ المُؤْمِنِينَ يقول : ويبشر أيضا مع هدايته من اهتدى به للسبيل الأقصد الذين يؤمنون بالله ورسوله ، ويعملون في دنياهم بما أمرهم الله به ، وينتهون عما نهاهم عنه بأن لهُمْ أجْرا من الله على إيمانهم وعملهم الصالحات كَبِيرا يعني ثوابا عظيما ، وجزاء جزيلاً ، وذلك هو الجنة التي أعدّها الله تعالى لمن رضي عمله ، كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِيرا قال : الجنة ، وكلّ شيء في القرآن أجر كبير ، أجر كريم ، ورزق كريم فهو الجنة ، وأن في قوله : أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِيرا نصب مه ، كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِيرا قال : الجنة ، وكلّ شيء في القرآن أجر كبير ، أجر كريم ، ورزق كريم فهو الجنة ، وأن في قوله : أنّ لَهُمْ أجْرا كَبِيرا نصب يقول : أعددنا لهم ، لقدومهم على ربهم يوم القيامة عَذَابا ألِيما يعني موجعا ، وذلك عذاب جهنم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (10)

و { أعتدنا } معناه أحضرنا وأعددنا ومنه العتاد ، و «الأليم » الموجع ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (10)

و{ أن الذين لا يؤمنون بالآخرة } عطف على { أن لهم أجرا كبيرا } لأنه من جملة البشارة ، إذ المراد بالذين لا يؤمنون بالآخرة مشركو قريش وهم أعداء المؤمنين ، فلا جرم أن عذاب العدو بشارة لمن عاداه .

والاقتصار على هذين الفريقين هو مقتضى المقام لمناسبة تكذيب المشركين بالإسراء فلا غرض في الإعلام بحال أهل الكتاب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (10)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة}، يعني: بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، {أعتدنا لهم عذابا أليما}، يعني: عذابا وجيعا...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وأن الذين لا يصدّقون بالمعاد إلى الله، ولا يقرّون بالثواب والعقاب في الدنيا، فهم لذلك لا يتحاشون من ركوب معاصي الله "أَعْتَدْنَا لَهُمْ "يقول: أعددنا لهم، لقدومهم على ربهم يوم القيامة "عَذَابًا أَلِيما" يعني موجعا، وذلك عذاب جهنم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

إنكارهم البعث وكفرهم به، هو الذي حملهم على تكذيبهم الرسل وكفرهم بالله لتسلم لهم شهواتهم في الدنيا، لأن الرسل جميعا، دعوهم إلى ترك شهواتهم في الدنيا، ورغبوهم بما يوجب لهم الثواب في الآخرة (وحذروهم مما) يوجب العقاب، فأنكروا الآخرة والبعث رأسا لتسلم لهم الدنيا. فذلك الذي حملهم على إنكار الرسل وتكذيبهم إياهم...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وتكون البشارة قد أوقعت على أن لهم الجنة، وأن لعدوهم النار.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: علام عطف {وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ}؟ قلت: على {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} على معنى: أنه بشر المؤمنين ببشارتين اثنتين: بثوابهم، وبعقاب أعدائهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما بشرهم بما لهم في أنفسهم، أتبعه ما لهم في أعدائهم فقال تعالى: {وأن} أي ويبشر المؤمنين أيضاً بأن {الذين لا يؤمنون} أي لا يتجدد منهم إيمان {بالآخرة} حقيقة أو مجازاً، المسبب عنه أنهم لا يعملون الصالحات حقيقة لعدم مباشرتها، أو مجازاً ببنائها على غير أساس الإيمان؛ وعبر بالعتاد تهكماً بهم، فقال تعالى: {أعتدنا} أي أحضرنا وهيأنا ما هو في غاية الطيب والنفاسة والملاءمة على سبيل الوعد الصادق الذي لا يتخلف بوجه، وهو مع ذلك منظور إليه، لعظمتنا {لهم} من عندنا بواسطة المؤمنين أو بلا واسطة...

{عذاباً أليماً} فإنه لا بشرى لذوي الهمم أعلى ولا أسر من الانتقام من مخالفيهم، فصار فضل الكتاب على الكتاب كفضل الذهاب على الذهاب، وحذف المؤمنين الذين لا يعملون الصالحات، لتمام البشارة بالإشارة إلى أنهم من القلة في هذه الأمة الشريفة بحيث لا يكادون أن يوجدوا...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} وأحكامِها المشروحة فيه من البعث والحساب والجزاءِ، وتخصيصُها بالذكر من بين سائر ما كفروا به لكونها مُعظمَ ما أُمروا بالإيمان به، ولمراعاة التناسبِ بين أعمالهم وجزائِها الذي أنبأ عنه قولُه عز وجل: {أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وهو عذابُ جهنمَ أي أعتدنا لهم فيما كفروا به وأنكروا وجودَه من الآخرة عذاباً أليماً وهو أبلغُ في الزجر لما أن إتيانَ العذابِ من حيث لا يُحتسب أفظعُ وأفجعُ، والجملةُ معطوفة على جملة يبشّر بإضمار يُخبر، أو على قوله تعالى: {أَنَّ لَهُمْ} داخلةٌ معه تحت التبشير المرادِ به مجازاً مطلقُ الإخبار المنتظمِ للإخبار بالخبر السارِّ وبالنبأ الضارّ فيكون ذلك بياناً لهداية القرآنِ بالترغيب والترهيب، ويجوز كونُ التبشير بمعناه والمرادُ تبشيرُ المؤمنين ببشارتين: تولّيهم وعقابِ أعدائهم...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

والعطف على {أن لهم أجراً كبيراً} [الإسراء: 9] فيكون إعداد العذاب الأليم للذين لا يؤمنون بالآخرة مبشراً به كثبوت الأجر الكبير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات، ومصيبة العدو سرور يبشر به فكأنه قيل يبشر المؤمنين بثوابهم وعقاب أعدائهم، ويجوز أن تكون البشارة مجازاً مرسلاً بمعنى مطلق الاخبار الشامل للأخبار بما فيه سرور وللإخبار بما ليس كذلك، وليس فيه الجمع بين معنى المشترك أو الحقيقة والمجاز حتى يقال: إنه من عموم المجاز وإن كان راجعاً لهذا أو العطف على {يُبَشّرُ} [الإسراء: 9] أو {يَهْدِى} [الإسراء: 9] بإضمار يخبر فيكون من عطف الجملة على الجملة، ولا يخفى ما في الآية من ترجيح الوعد على الوعيد...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

فالقرآن مشتمل على البشارة والنذارة وذكر الأسباب التي تنال بها البشارة وهو الإيمان والعمل الصالح والتي تستحق بها النذارة وهو ضد ذلك...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

و {أن الذين لا يؤمنون بالآخرة} عطف على {أن لهم أجرا كبيرا} لأنه من جملة البشارة، إذ المراد بالذين لا يؤمنون بالآخرة مشركو قريش وهم أعداء المؤمنين، فلا جرم أن عذاب العدو بشارة لمن عاداه. والاقتصار على هذين الفريقين هو مقتضى المقام لمناسبة تكذيب المشركين بالإسراء فلا غرض في الإعلام بحال أهل الكتاب...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ضمناً الآية تشير باختصار بليغ إلى جزاء المؤمنين وثوابهم فتقول: (أنّ لهم أجراً كبيراً) أمّا غير المؤمنين فإِنّ لهم بنفس صورة الإِيجاز القرآني البليغ (عذاباً أليماً) وهذا الاختصار البليغ يطوي في كلا مجالَيْه صوراً تفصيلية مِن الثواب والعقاب... أمّا لماذا اقتصرت الآية في غير المؤمنين على صفة عدم إِيمانهم بالآخرة دون غيرها مِن الصفات والأعمال. في الواقع يمكن أن يكون ذلك بسبب أنَّ الإِيمان بالآخرة هو صمام أمان يضبط الإِنسان عن ارتكاب المعاصي والذنوب. ثمّ إِنَّ إِنكار القيامة يعتبر إِنكاراً لوجود اللّه تعالى، وإِلاّ كيف يستقيم للإِنسان أن يؤمن باللّه العادل الحكيم ولا يؤمن بوجود آخرة يُحاسب فيها الإِنسان على أعماله وينال حسابه العادل!؟ ثمّ إِنّ حديث الآية هو عن العقاب والثواب وهو يتناسب مع الحديث عن الإِيمان باليوم الآخر...