ثم لما شرح فعله في حق عباده المخلصين كمحمد صلى الله عليه وسلم وموسى عليه السلام وفي حق عبيدة العاصين كأكثر بني إسرائيل ، وكان في ذلك تنبيه على أن طاعة الله توجب كل خير وكرامة ومعصيته تقتضي كل شر وغرامة ، عظم شأن القرآن المبين للأحكام الهادي للأنام فقال : { إن هذا القرآن يهدي للتي } أي للحالة أو الشريعة أو الطريقة التي { هي أقوم } وفي حذف الموصوف فخلفه بعرفها أهل البلاغة لعموم الاعتبار وذهاب الوهم كل مذهب . قيل : هذا الشيء أقوم من ذلك . إنما يصح في شيئين يشتركان في معنى الاستقامة ، ثم يكون للأول على الآخر . وكيف يتصور في غير هذا الدين شيء من الاستقامة حتى يستقيم هذا التفضيل ؟ وأجيب بأن " أفعل " ههنا بمعنى الفاعل كقولنا " الله أكبر " هو الكبير . وكقولهم " الناقص والأشج أعدلا بني مروان " أي عادلا بني مروان . ويمكن أن يقال : لا شيء من الأديان إلا وفيه نوع من الاستقامة كالاعتراف بالله الواجب بالذات ، والالتزام لأصول الأخلاق ومكارم العادات وقوانين السياسات إلا أن بعض الخلل أبطل الكل فالكل ينهدم بانهدام الجزء . ثم إن كون القرآن هادياً إلى الاعتقاد الأصوب والعمل الأصلح له نتيجة وأثر وذلك هو البشارة بالأجر الكبير لأهل الإيمان والعمل الصالح وبالعذاب الأليم لغيرهم ، وأنت خبير بأن لفظ البشارة بمعنى الإنذار يستعمل للتهكم إذ البشارة مطلق الخبر المغير للبشرة فكأنه قيل : ويخبر الذي لا يؤمنون بالآخرة أن لهم عذاباً . ويجوز أن يبشر المؤمنين ببشارتين : إحداهما بثوابهم والأخرى بعذاب أعدائهم . قال في الكشاف : كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة ؟ وأجاب على أصول الاعتزال بأن الناس كانوا حينئذ إما من أهل التقوى وإما من أهل الشرك ، وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك . قلت : هذا الجواب منه عجيب ، فإن هذا الصنف لو سلم أنه لم يكن موجوداً في ذلك العصر إلا أن حكمه يجب أن يذكر في القرآن الذي فيه أصول الأحكام ، على أن ذكر الفساق من الأمة في القرآن المكي والمدني موجودة قال تعالى : { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد } [ لقمان : 32 ]
{ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } [ الزمر : 52 ] { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم } [ آل عمران : 135 ] . وإذا كان ذكرهم في القرآن وارداً وأنه تعالى يعدد ههنا أوصاف القرآن على جهة المدح فأي مقام أدعى إلى ذكر هذا الوصف من ههنا . والجواب الحق أن الفسقة جعلوا بالعين أهل الإيمان والله أعلم . قيل : هذه الآية واردة في شرح أحوال اليهود وهم ما كانوا ينكرون الإيمان بالآخرة . والجواب المنع من الخصوص ولو سلم فإيمانهم بالآخرة كلا إيمان ، فبعضهم أنكروا المعاد الجسماني وبعضهم قالوا : لن تمسنا النار إلاَّ أياماً . واعلم أنه سبحانه قال ههنا : { أجراً كبيراً } وفي أول الكهف { أجراً حسناً } [ الآية : 2 ] ، رعاية للفاصلة وإلا فالأجر الكبير والأجر الحسن كلاهما الجنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.