{ وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالاخرة } وأحكامها المشروحة فيه من البعث والحساب والجزاء من الثواب والعقاب الروحانيين والجسمانيين ، وتخصيص الآخرة بالذكر من بينت سائر ما لم يؤمن به الكفرة لكونها معظم ما أمروا الايمان به ولمراعاة التناسب بين أعمالهم وجزائها الذي أنبأ عنه قوله تعالى :
{ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } وهو عذاب جهنم أي أعددنا وهيأنا لهم فيما كفروا به وأنكروا وجوده من الآخرة عذاباً مؤلماً ، وهو أبلغ في الزجر لما أن إتيان العذاب من حيث لا يحتسب أفظع وأفجع ، ولعل أهل الكتاب داخلون في هذا الحكم لأنهم لا يقولون بالجزاء الجسماني ويعتقدون في الآخرة أشياء لا أصل لها فلم يؤمنوا بالآخرة وأحكامها المشروحة في هذا القرآن حقيقة الايمان فافهم .
والعطف على { أن لهم أجراً كبيراً } [ الإسراء : 9 ] فيكون إعداد العذاب الأليم للذين لا يؤمنون بالآخرة مبشراً به كثبوت الأجر الكبير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ، ومصيبة العدو سرور يبشر به فكأنه قيل يبشر المؤمنين بثوابهم وعقاب أعدائهم ، ويجوز أن تكون البشارة مجازاً مرسلاً بمعنى مطلق الاخبار الشامل للأخبار بما فيه سرور وللاخبار بما ليس كذلك ، وليس فيه الجمع بين معنى المشترك أو الحقيقة والمجاز حتى يقال : إنه من عموم المجاز وإن كان راجعاً لهذا أو العطف على { يُبَشّرُ } [ الإسراء : 9 ] أو { يَهْدِى } [ الإسراء : 9 ] بإضمار يخبر فيكون من عطف الجملة على الجملة ، ولا يخفى ما في الآية من ترجيح الوعد على الوعيد .
/ ونبه سبحانه على ما في «البحر » بوصف المؤمنين بالذين يعملون الصالحات على الحالة الكاملة لهم ليتحلى المؤمن بذلك وأنت تعلم أنه إن فسر الأجر الكبير بالجنة فهو ثابت للمؤمن العامل وللمؤمن المفرط إذ أصل الإيمان متكفل بدخول الجنة فضلاً من الله تعالى ورحمة ، نعم ما أعد للعامل في الجنة أعظم مما أعد للمفرط ، وإن فسر بما أعده الله تعالى في الآخرة من الجنة والدرجات العلي وأنواع الكرامات فيها التي لا يتكفل بها مجرد الايمان فظاهر أن ذلك غير ثابت للمؤمن المفرط فلا بد من التوصيف ولا يلزم منه عدم دخول المفرط الجنة ، نعم يلزم منه أن لا يثبت له الأجر الكبير بالمعنى السابق ، والآيات التي يفهم منها دخوله الجنة كثيرة ولعل هذه الآية يفهم منها ذلك واقتضى المقام عدم التصريح بحكمه . وفي «الكشاف » أنه تعالى ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة لأن الناس حينئذ إما مؤمن تقي وإما مشرك وأصحاب المنزلة بين المنزلتين إنما حدثوا بعد ذلك .
وتعقبه أبو حيان بأنه مكابر فقد وقع في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض المؤمنين هفوات وسقطات بعضها مذكور في القرآن وبعضها مذكور في الأحاديث الصحيحة اه . والمقرر في الأصول أن الأكثر على عدالة الصحابة ومن طرأ له منهم قادح كسرقة وزنا عمل بمقتضاه ، ثم ما ذكره من المنزلة بين المنزلتين الظاهر أنه أراد به ما ذهب إليه إخوانه المعتزلة من أن متركب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر وإذا مات من غير توبة خلد في النار وقد ورد ذلك في علم الكلام فتدبر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.