اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (10)

قوله تعالى : { وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ } : فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون عطفاً على " أنَّ " الأولى ، أي : يُبشِّرُ المؤمنين بشيئين : بأجرٍ كبيرٍ ، وبتعذيب أعدائهم ، ولا شكَّ أنَّ ما يصيب عدوَّك سرورٌ لك ، وقال الزمخشري : " ويحتمل أن يكون المراد : ونخبر بأنَّ الَّذينَ " .

قال أبو حيّان : " فلا يكون إذ ذاك داخلاً تحت البشارةِ " . قال شهابُ الدِّين : قول الزمخشريُّ يحتمل أمرين :

أحدهما : أن يكون قوله " ويحتمل أن يكون المراد : ويخبر بأنَّ " من باب الحذف ، أي : حذف " ويُخْبِرُ " وأبقى معموله ، وعلى هذا فيكون " أنَّ الَّذينَ " غير داخلٍ في حيِّز البشارة بلا شكٍّ ، ويحتمل أن يكون قصده : أنه يريد بالبشارة مجرَّد الإخبار ، سواءٌ كان بخيرٍ أم بشرٍّ ، وهل هو فيهما حقيقةٌ أو في أحدهما ، وحينئذ يكون جمعاً بين الحقيقة والمجاز ؛ أو استعمالاً للمشترك في معنييه ؛ وفي المسألتين خلافٌ مشهورٌ ، وعلى هذا : فلا يكون قوله " وأنَّ الَّذينَ لا يؤمِنُونَ " غير داخلٍ في حيِّز البشارةِ ، إلاَّ أنَّ الظاهر من حالِ الزمخشريِّ : أنَّه لا يجيزُ الجمع بين الحقيقةِ والمجازِ ، ولا استعمال المشتركِ في معنييه .

فصل

اعلم أن العمل الصَّالحَ ، كما يوجب لفاعله{[20237]} النَّفع الأكمل الأعظم ، كذلك تركه يوجب الضَّرر الأكمل الأعظم ، فإن قيل : كيف يليقُ لفظ البشارة بالعذاب ؟ .

فالجواب{[20238]} : هذا مذكورٌ على سبيل التهكُّم ، أو من باب إطلاق أحد الضِّدَّين على الآخر ؛ كقوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] وتقدَّم الكلام عليه قبل الفصل ، فإن قيل : هذه الآية [ واردة ] في شرح أحوالِ اليهود ، وهم ما كانوا ينكرون الإيمان بالآخرة ، فكيف يليق بهذا الموضع قوله تعالى : { وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } ؟ .

فالجواب عنه من وجهين :

أحدهما : أنَّ أكثر اليهود ينكرُون الثواب والعقاب الجسمانيين{[20239]} .

والثاني : أن بعضهم قال : { لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [ آل عمران : 24 ] فهم بهذا القول صاروا كالمنكرينَ للآخرةِ .


[20237]:في ب: لصاحبه.
[20238]:ينظر: الرازي 20/129.
[20239]:في ب: الجسماني.