ثم حكى القرآن الكريم ، ما وصف به إبراهيم خالقه من صفات كريمة تليق بجلاله - سبحانه - فقال : { الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } أى : أخلص عبادتى لرب العالمين ، الذى أوجدنى بقدرته ، والذى يهدينى وحده إلى ما يصلح شأنى فى دنياى وفى آخرتى .
قال الجمل وقوله : { الذي خَلَقَنِي } يجوز فيه أوجه : النصب على النعت لرب العالمين أو البدل أو عطف البيان . . أو الرفع على الابتداء . وقوله { فَهُوَ يَهْدِينِ } جملة اسمية فى محل رفع خبر له .
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } .
يقول : فإنهم عدوّ لي إلا ربّ العالمين الّذي خَلَقَنِي فَهُو يَهْدِينِ للصواب من القول والعمل ، ويسدّدني للرشاد وَالّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ يقول : والذي يغدوني بالطعام والشراب ، ويرزقني الأرزاق وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ يقول : وإذا سقم جسمي واعتلّ ، فهو يبرئه ويعافيه .
الأظهر أن الموصول في موضع نعت ل { ربّ العالمين } [ الشعراء : 77 ] وأنّ { فهو يهدين } عطف على الصلة مفرع عليه لأنه إذا كان هو الخالق فهو الأولى بتدبير مخلوقاته دون أن يتولاّها غيره . ويجوز أن يكون الموصول مبتدأ مستأنفاً به ويكون { فهو يهدين } خبراً عن { الذي } . وزيدت الفاء في الخبر لمشابهة الموصول للشرط . وعلى الاحتمالين ففي الموصولية إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو الاستدراك بالاستثناء الذي في قوله : { إلا رب العالمين } [ الشعراء : 77 ] ، أي ذلك هو الذي أُخلصُ له لأنه خلقني كقوله في الآية الأخرى : { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض } [ الأنعام : 79 ] .
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله : { فهو يهدين } دون أن يقول : فيهدين ، لتخصيصه بأنه متولي الهداية دون غيره لأن المقام لإبطال اعتقادهم تصرف أصنامهم بالقصر الإضافي ، وهو قصر قلب . وليس الضمير ضمير فصل لأن ضمير الفصل لا يقع بعد العاطف .
والتعبير بالمضارع في قوله : { يهدين } لأن الهداية متجددة له . وجعل فعل الهداية مفرّعاً بالفاء على فعل الخلق لأنه معاقب له لأن الهداية بهذا المعنى من مقتضى الخلق لأنها ناشئة عن خلق العقل كما قال تعالى : { الذي أعطى كلَّ شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 50 ] . والمراد بالهداية الدلالة على طرق العلم كما في قوله تعالى : { وهديناه النجدين } [ البلد : 10 ] فيكون المعنى : الذي خلقني جسداً وعقلاً . ومن الهداية المذكورة دفع وساوس الباطل عن العقل حتى يكون إعمال النظر معصوماً من الخطأ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.