التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيۡدِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (18)

ثم يقرر - سبحانه سنة من سننه التي لا تتخلف ، وهى تقوية الحق وتوهين الباطل . وليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ، وثباتا على ثباتهم فيقول : { ذلكم وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين } .

قال الإِمام الرازى : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { موهن } - بفتح الواو وتشديد الهاء والتنوين . من التوهين . تقول وهنت الشئ أي ضعفته - ، { كيد } بالنصب على المفعولية . وقرأ حفص عن عاصم { موهن كيد } بالإضافة . وقرأ الباقون { موهن } بالتخفيف ، - من أوهننه فأنا موهنه بمعنى أضعفته - { وكيد } بالنصب وتوهين الله كيدهم ومكرهم يكون بأشياء منها : إطلاع المؤمين على عوراتهم ، وإلقاء الرعب في قلوبهم ، وتفريق كلمتهم .

واسم الإِشارة { ذلكم } يود إلى ما سبق من نعمة الإِبلاء والقتل والرمى وغير ذلك من النعم . وهو مبتدأ وخبره محذوف . وقوله : { وَأَنَّ الله مُوهِنُ } معطوف عليه .

المعنى : ذلكم الذي منحته إياكم من العطاء الحسن ، والقتل للمشركين ، والإِمداد بالملائكة ، وإنزال الماء عليكم . ذلكم كله نعم منى إليكم ، ويضاف إلى ذلك كله أنه - سبحانه - مضعف لكيد الكافرين ومفسد لمكرهم بكم .

قال ابن كثير : وهذه بشارة أخرى مع ما حصل من النصر ، فإنه أعلمهم بأنه مضعف كيد الكافرين فيما يستقبل ، مصغر أمرهم ، وأنهم في تبار ودمار

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيۡدِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكُمْ وَأَنّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : ذَلِكُمْ : هذا الفعل من قتل المشركين ورميهم حتى انهزموا ، وابتلاء المؤمنين البلاء الحسن بالظفر بهم وإمكانهم من قتلهم وأسرهم ، فعلنا الذي فعلنا . وأنّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدَ الكافِرِينَ يقول : واعلموا أن الله مع ذلك مضعف كيد الكافرين ، يعني مكرهم ، حتى يذلوا ، وينقادوا للحقّ ويهلكوا . وفي فتح «أن » من الوجوه ما في قوله : ذَلِكُمْ فَذُوقوهُ وأنّ للْكافِرِينَ وقد بيّنته هنالك .

وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله : مُوهِنُ . فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة وبعض المكيين والبصريين : «مُوَهّنٌ » بالتشديد ، من وهّنت الشيء : ضعّفته . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين : مُوهِنُ من أوهنته فأنا موهنه ، بمعنى أضعفته . والتشديد في ذلك أعجب إليّ لأن الله تعالى كان ينقض ما يبرمه المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، عقدا بعد عقد ، وشيئا بعد شيء ، وإن كان الاَخر وجها صحيحا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَٰلِكُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيۡدِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (18)

وقوله { ذلكم } إشارة إلى ما تقدم من قتل الله ورميه إياهم ، وموضع { ذلكم } من الإعراب رفع ، قال سيبويه : التقدير الأمر ذلكم ، وقال بعض النحويين : يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير فعل ذلكم { وأن } معطوف على { ذلكم } ويحتمل أن يكون خبر ابتداء مقدر تقديره وحتم وسابق وثابت ونحو هذا ، وقرأت فرقة «وإن » بكسر الهمزة على القطع والاستئناف ، و { موهن } معناه مضعف مبطل ، يقال وهن الشيء مثل وعد يعد ، ويقال وهن مثل ولي يلي ، وقرىء{ فما وهنوا لما أصابهم }{[5270]} بكسر الهاء ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وأبو بكر عن عاصم «موهن كيد » من أوهن ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «موهن كيد » من وهن ، وقرأ حفص عن عاصم «موهن كيدِ » بكسر الدال والإضافة{[5271]} ، وذكر الزجّاج أن فيها أربعة أوجه فذكر هذه القراءات الثلاث ، وزاد «موهّن كيد » بتشديد الهاء والإضافة إلا أنه لم ينص أنها قراءة .


[5270]:- من الآية (146) من سورة (آل عمران).
[5271]:- الحجة لمن قرأ بتشديد الهاء أنه أخذه من وهّن فهو موهّن، والحجة لمن قرأ بتخفيف الهاء أنه أخذ من أوهن- ومن قرأ بالتنوين مع نصب (كيد) أراد الحال أو الاستقبال، ومن قرأ بالإضافة أراد ما ثبت ومضى من الزمان. قال ذلك الإمام ابن خالويه في كتاب "الحجة في القراءات السبع".