فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِي بِمَا كَذَّبُونِ} (39)

{ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ { 39 ) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ { 40 ) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ { 41 ) }

ما تغني الآيات والنذر شيئا عن قوم أبطرهم الترف ، وغرتهم الحياة الدنيا ، وألهتهم عن الآخرة ، وشهدوا على أنفسهم أنهم استحبوا الكفر على الإيمان ، فلا عجب أن قال رسولهم داعيا مولاه متضرعا : رب أزهق الباطل ، وامحق هذا الفساد ، الذي تمادى فيه هؤلاء ، فكفروا بالله ورسله ، وأنكروا يوم المعاد ، ودعوا إلى الجحود والكفران ، فخير للعباد أن تطهر الأرض من الصادين عن الهدى والإيمان ؛ كالذي جاء في دعاء نوح عليه السلام على طغاة قومه : { وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا . إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا . رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا والمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ){[2321]} فاستجاب الله تعالى دعوة ذلك الرسول سلام الله عليه وعلى سائر المرسلين ونودي : بالله تعالى ليصيرن نادمين على ما فعلوا من التكذيب بعد زمان قليل ؛ وجائز أن يكون القوم هم ثمود كما أشرنا من قبل وأن يكون نبيهم صالح عليه السلام قد أنذرهم بما بين الكتاب الحكيم : { . . فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وذلك وعد غير مكذوب ، فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز . وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين . كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود ){[2322]} وهكذا أخذتهم صيحة جبريل عليه السلام ، صاح بهم فدمرهم ؛ { بالحق } بالأمر الذي يتحقق لا محالة ؛ أو بالعدل من الله عز وجل ، من قولك : فلان يقضي بالحق ، إذ كان عادلا في قضياه ؛ أو بالوعد الصدق الذي وعده الرسول في ضمن قوله تعالى : { . . عما قليل ليصبحن نادمين ){[2323]} فجعلناهم هباء كالأوراق والعيدان البالية التي يحملها الماء المندفع في الوديان حين ينهمر المطر ؛ وهو الذي يقال عنه : غثاء السيل ؛ فبعدوا بعدا من رحمة الله ، أو أبعدهم الله تعالى من رحمته بعدا كبيرا ، لجحودهم ، وتكذيبهم ، وبطرهم ، وصدهم عن الهدى بعد أن تبين لهم .


[2321]:سورة نوح. الآيات 26 27 و 28.
[2322]:سورة هود. من الآية 65؛ والآيات: 66، 67، 68
[2323]:ما بين العارضتين مما أورد الألوسي.