فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَقَدۡ وُعِدۡنَا نَحۡنُ وَءَابَآؤُنَا هَٰذَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (83)

{ أساطير } أباطيل وأكاذيب ، وترهات وأعاجيب .

{ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ { 81 ) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ { 82 ) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ { 83 ) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ { 84 ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ { 85 ) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ { 86 ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ { 87 ) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ { 88 ) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ { 89 ) }

هذه الآيات الثلاث الأول تبين فرط سفههم ، إذ كانت قد سبقت بما يفيد الحض على التعقل { أفلا تعقبون } مع إفادة التقريع والوعيد ، بمعنى : أفليس لكم عقول تدلكم على أن قدرتنا لا يعجزها البعث ، فلم يعقلوا ؛ بل قالوا كقول السفهاء من قبلهم ، ومنكري البعث من أسلافهم ولآبائهم مستبعدين ومستنكرين أن قالوا : ما هذه إلا ترهات وأباطيل ، وأكاذيب وأعاجيب نقلت عن الأقدمين ، ووعدنا بها كما وعد من سبقنا من الأولين ؛ مما أورد النيسابوري : لا شبهة لهم في إنكار البعث إلا التشبث بحبل التقليد ، والاستبعاد ؛ قال علماء المعاني : قوله : { لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا } وارد على الأصل ، لأن التأكيد مذكور عقيب المؤكد ، وبعده المفعول الثاني أما في سورة { النمل ) فسبب تقديم المفعول الثاني على الضمير وعلى المعطوف هو أنه اقتصر هناك على قوله : { ترابا ) والتراب أبعد في باب الإعادة من العظام ، فقدم ليدل على مزيد الاعتناء به في شأن الاستنكار . اه

وجاءت الآيات الست احتجاجا على المقرين بالصانع وهم مع ذلك يشركون معه غيره في العبادة ، والعقل يقضي بأنه لا يستحق الألوهية والعبادة إلا من يملك ويسخر ويدبر ، ويبدع ويصور ، ويغيث ويهيمن ، وهو العزيز الجبار المتكبر ودلت هذه الآية على جواز جدال الكفار وإقامة الحجة عليهم{[2393]} قل يا محمد لمنكري البعث والمشركين : لمن ملك الأرض ، ومن فيها وما فيها من الخلق ؟ إن كنتم تعلمون مالكها ومليكها ! وكان الكثيرون منهم يقرون بأن خالقهم هو الله { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله . . ){[2394]} فسيقرون إذا بأنها لله دون سواه مملوكة ، ومادام هذا جوابهم فقل لهم : أفلا تتذكرون أن المتفرد بإيجاد الأرض وعمارها ، ومودعها أقواتها وبركاتها حقه أن يفرد بالتقديس والطاعة ؟ أفلا يكفيكم هذا واعظا ؟ ! قل لهم كذلك من مصلح وولي وبديع السماوات السبع وبارؤها ورب العرش العظيم ، والمهيمن على الكون والخلق وسائر العوالم سفلية وعلوية ؟ ولن يملكوا إلا الإقرار بأنه الواحد الفاعل المختار : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ){[2395]} فذكرهم بأن من هذا ملكه يجب أن يتقي ويحذر ، ويشكر فلا يكفر ، ويطاع فلا يعصى ؛ سلهم يا محمد من له الملك والسلطان ، القاهر فوق الأكوان ، العزيز الذي يغيث ولا يغاث عليه ؛ ويمنع من يشاء ممن يشاء ، ولا يمنع أحد منه ، ولا ينصر عليه ؟ إن كنتم تعلمون فأجيبوني ، سيقولون : الحول والطول لله ؛ قل لهم : فكيف تصرفون إذا عن توحيده وطاعته ؟ ومن أي وجه تخدعون ويخيل إليكم أن تشركوا به ما لا يضر ولا ينفع ؟ ! ويزين لكم أن تشاقوه ؛ فعل المسحور مختل العقل ؟ !


[2393]:ما بين العارضتين مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن.
[2394]:سورة الزخرف. من الآية 87.
[2395]:سورة الزخرف. الآية 9.