فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ} (60)

{ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ { 57 ) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ { 58 ) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ { 59 ) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ { 60 ) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ { 61 ) }

لما بينت الآيات الكريمة السابقة ضلال رأي الكفار ، وبطلان حسبانهم الكاذب أن ما هم فيه من ترف يعني أنهم أعز وأكرم ممن سواهم ، بينت هذه الآيات المباركة أن أهل الخشية من الملك الديان ، وأهل الصدق والإيمان ، وتوحيد المعبود ذي الجلال والإكرام ، . ويعملون الصالحات وهو في وجل وخوف أن لا يثقل بها الميزان ؛ هؤلاء المكرمون خاصة يسارعون في نيل الخيرات وهم سابقون الناس إليها ؛ إذ قد وعد الغني الوهاب عباده الصالحين بخيري العاجلة والآجلة : { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ){[2355]} وامتن الله سبحانه بجزيل ما وهبهم : { فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة . . ){[2356]} أثنى عليهم ربهم بأنهم يتهيبون سخطه وعذابه ، فهم كانوا على حذر لا يأمنون مكر الله ف { من } تعليلية وفرق بين الخشية والإشفاق بأن الأول خوف مشوب بتعظيم ومهابة ، ولذلك خص به العلماء في قوله تعالى : { . . إنما يخشى الله من عباده العلماء . . ){[2357]} والثاني خوف مع اعتناء{[2358]} وأثنى عليهم ثانيا بأنهم مصدقون بالآيات القرآنية والمعجزات الكونية ، وعلامات الاقتدار الآفاقية والأنفسية .

[ وليس المراد التصديق بوجودها فقط ، فإن المعلوم بالضرورة فلا يوجب المدح ، بل التصديق بكونها دلائل موصلة إلى العرفان ، ويتبعه الإقرار اللساني ظاهرا ]{[2359]} ؛ ثم هم بمعزل دائما عن الشرك الظاهر والخفي ؛ ورابع ما أنعم الله به على هؤلاء المكرمين الفائزين : أنهم يعطون ما يعطون وقلوبهم خائفة من عدم القبول{[2360]} ، لأنهم راجعون إلى الله تعالى يوم القيامة وهو سبحانه لا يتقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه ثم إن الموصولات الأربع . . عبارة عن طائفة واحدة

متصفة بما ذكر في حيز صلاتها من الأوصاف الأربعة ، لا عن طوائف كل واحدة منها متصفة بواحد من الأوصاف المذكورة… وإنما كرر الموصول إيذانا باستقلال كل واحدة من تلك الصفات بفضيلة باهرة على حيالها ، وتنزيلا لاستقلالها منزلة استقلال الموصوف بها {[2361]} أولئك الذين بعدت منازلهم في الفضل يسابقون إلى نيل الفيض العاجل والآجل وهم سابقون إليه ، ظافرون به ، مدركونه تفضلا من ربنا الغني الكريم ، الشكور الحليم .


[2355]:سورة النحل. الآية 97.
[2356]:سورة آل عمران. من الآية 148.
[2357]:سورة فاطر. من الآية 28.
[2358]:ما بين العارضتين مما أورد النيسابوري
[2359]:ما بين العلامتين مما أورد الألوسي.
[2360]:أورد الألوسي: أخرج أحمد، والترمذي، وابن ماجة، والحاكم وصححه، وابن المنذر، وابن جرير وجماعة: عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت: يا رسول الله! قول الله: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة..} أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو مع ذلك يخاف الله تعالى؟ قال: لا! ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو مع ذلك يخاف الله تعالى أن لا يتقبل منه"..لكن أوردها غيره عن أحمد والترمذي.. واللفظ له ـ عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله {..الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة..} هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟ قال" لا يابنة الصديق ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يتقبل منهم {أولئك يسارعون في الخيرات}"
[2361]:ما بين العارضتين مقتبس من روح المعاني.