فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَهُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخۡتِلَٰفُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (80)

{ اختلاف الليل والنهار } تخالفهما وتعاقبهما .

{ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ { 78 ) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ { 79 ) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ { 80 ) }

{ ذرأكم } خلقكم وبثكم ، وفرقكم ونشركم .

{ الأفئدة } العقول والقلوب .

تذكر الآيات بكمال القدرة ، وتمتن بكثرة النعمة وتنبه على أن أسباب التأمل في الدلائل موجودة ، وأبواب الأعذار بالكلية مسدودة {[2389]} فربكم هو واهب السمع والأبصار وهما من أهم الحواس ، وبهما تصان وتتحقق مطالب حياة الناس ، ومن أقدسها الإحساس بالآيات التنزيلية والتكوينية ، وهو سبحانه دون سواه واهب العقول والقلوب التي تكمن فيها قوة الإدراك والفهم والوجدان ، وبها يتميز الإنسان ؛ مما يقول الألوسي : وقدم السمع لكثرة منافعه ، وأفرد لأنه يدرك به نوع واحد ، بخلاف البصر فإنه يدرك به الأضواء والألوان والأكوان والأشكال ؛ وفي الآية إشارة إلى الدليل الحسي والعقلي . . اه .

تشكرون شكرا قليلا لأن العمدة في الشكر صرف تلك القوى التي هي نعم باهرة إلى ما خلقت هي له . . { وما } للتوكيد {[2390]} ثم أخبر جل ثناؤه أنه لا غيره هو الذي خلق وأنشأ وبرأ وذرأ ، وبث وفرق ونشر البشر في سائر أقطار الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم ، ومهما تقلبوا في الأمصار ، أو غيبوا في الغيابات والقبور والأغوار ، وبليت العظام وتمزقت الجلود وتفرقت الشعور والأبشار ، فإنهم إلى ربهم راجعون ، وإليه مسوقون ، وبين يديه موقوفون ؛ وهو لا شريك له له المحيا والممات وقد خلقهما للابتلاء ، ثم يكون الحساب والفصل والجزاء يجعلهم أحياء بعد أن كانوا نطفا بنفخ الروح ، ويميتهم بعد أن أحياهم{[2391]} أو بمعنى أنه يحيي الرمم ، ويميت الأمم كما قال ابن كثير وله خاصة وعن أمره التخالف بين الليل والنهار زيادة ونقصانا ، وظلمة وضياء ، وسعيا وسكونا ، أو تعاقبهما ، كل منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا ، يتعاقبان لا يفتران ؛ أفليس لكم عقول تدلكم على أن الذي فعل هذه الأفعال ابتداء من غير أصل لا يمتنع عليه إحياء الأموات بعد فنائهم وإنشاء ما شاء إعدامه بعد إنشائه أول مرة ؟ ! {[2392]}


[2389]:ما بين العارضتين مما قال النيسابوري.
[2390]:من روح المعاني؛ بتصرف
[2391]:من روح المعاني؛ بتصرف.
[2392]:من جامع البيان..؛بتصرف