فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (76)

{ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ { 76 ) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ { 77 ) }

{ استكانوا } خضعوا .

{ يتضرعون } يدعون من صميم فؤادهم .

{ مبلسون } محزونون متحيرون آيسون .

في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش حين استعصوا فقال : " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " أي بسبع سنوات مجدبات كسني يوسف التي قحط الناس فيها ؛ ومن سنة الله تعالى أنه قد يضيق على قوم عصوا لعلهم يزدجرون ويقلعون عن غوايتهم ، كالذي وعده سبحانه في كتابه : { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ){[2380]} { . . ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ){[2381]} وكما فعل سبحانه بقوم فرعون مما بينه قوله تبارك اسمه : { ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ){[2382]} وقوله : { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون ){[2383]} واستنفر الذين كذبوا النبي الخاتم ليلجأوا إليه جل ثناؤه فأعرضوا ؛ يقول المولى تبارك اسمه : { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ){[2384]} ؛ أخذهم الله تعالى بالشدائد والبلايا فما ردهم ذلك عن غيهم ، ولا أنابوا إلى ربهم ، بل استمروا على حالهم حتى إذا فتح الله عليهم في الآخرة الباب الذي يطلع عليهم منه العذاب إذا هم في ذلك العذاب قانطون حائرون محزونون .

أخرج ابن جرير وجماعة عن ابن عباس ما هو نص في أن قصة ثمامة سبب لنزول قوله تعالى : { ولقد أخذناهم بالعذاب } إلى آخره ؛ وذلك أن ثمامة بن أثال الحنفي جاءت به إلى المدينة سرية محمد بن مسلمة حين بعثها صلى الله عليه وسلم إلى بني بكر بن كلاب ، فأسلم بعد أن امتنع من الإسلام ثلاثة أيام ، ثم خرج معتمرا ، فلما قدم بطن مكة لبى ؛ وهو أول من دخلها ملبيا ؛ ومن هنا قال الحنفي :

ومنا الذي لبى بمكة معلنا برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم .

فأخذته قريش فقالوا : لقد اجترأت علينا وقد صبوت يا ثمامة ! قال : أسلمت واتبعت خير دين دين محمد صلى الله عليه وسلم ؛ والله لا يصل إليكم حبة من اليمامة وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم خرج ثمامة إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا ، حتى أضر بهم الجوع ، وأكلت قريش العلهز وهو ما كانوا يأخذونه من الصوف والوبر فيبلونه بالدم ثم يشوونه ويأكلونه فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين . . إنك تأمر بصلة الرحم وأنت قد قطعت أرحامنا ؛ فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة رضي الله عنه : " خل بين قومي وبين ميرتهم " ففعل{[2385]} ؛ ولكنهم مع ذلك لم يؤمنوا ؛ وهيهات أن يستجيبوا حتى يطالعوا جهنم ويعاينوها : { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون . ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) {[2386]}عندها يصرخون : { ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون }{[2387]} فيجابون : { . . اخسئوا فيها ولا تكلمون }{[2388]} فاللهم لا تخزنا يوم يبعثون


[2380]:سورة السجدة. الآية 21.
[2381]:سورة الروم. من الآية 41.
[2382]:سورة الأعراف. الآية 130.
[2383]:سورة الزخرف. الآية 48.
[2384]:سورة الأنعام. الآية 43.
[2385]:نقل ا الألوسي في كتبه [روح المعاني] جـ18 ص55
[2386]:سورة يونس. الآيتين 96 ،97
[2387]:سورة المؤمنون. الآية 107.
[2388]:سورة المؤمنون. الآية 108.